أثارت نتيجة الاستفتاء الشعبي الذي أجري في سويسرا امس الاحد وأظهر أن أكثر من نصف الشعب السويسري يؤيد منع بناء مآذن جديدة للمساجد في البلاد، عاصفة من الانتقادات العربية والإسلامية والعالمية التي رأت في نتيجة الاستفتاء سابقة تهدد شكل العلاقة في الفترة المقبلة بين الدول الأوروبية جميعها والجاليات المسلمة.
فقد أعرب الدكتور على جمعة مفتي مصر عن شجبه واستنكاره لهذا الاستفتاء الذي تقدم به حزب العمل السويسرى المتطرف. وقال جمعة فى تصريح خاص لوكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية:"لقد سمعنا بأسى بالغ عن هذه المبادرة التى لا تعتبر هجوما على حرية الاعتقاد فحسب ، بل أيضا محاولة لإهانة مشاعر المجتمع الإسلامى داخل سويسرا وخارجها".
كما أعرب عن قلقه البالغ بشأن هذه السابقة الخطيرة التى يمكن أن تعمق من مشاعر الكراهية والتمييز ضد المسلمين لأنه لن يشمل إلا أماكن عبادتهم ، فى حين أن المبانى التابعة لجميع الديانات الأخرى لم تتعرض لأى تقييد.
وأشار المفتى إلى أن هذا الإجراء مناقض لحرية الاعتقاد والضمير المضمونة من طرف الدستور الفيدرالى السويسرى ، حيث تنص المادة 15 من الدستور السويسرى على أن "حرية الاعتقاد والفلسفة مكفولة ، فكل واحد له الحرية فى اعتناق الأديان والعقائد وأن يمارسها سواء كان وحيدا أو داخل جماعة ، وللجميع الحق فى الانضمام لأى جماعة دينية وأن يتبع التعاليم الدينية ، ولا يجوز إكراه أحد على الانضمام لجماعة دينية أو ممارسة شعيرة دينية أو اتباع تعاليم دينية بعينها" وهذا الحق الدستورى لم يتغير وعلى الجميع أن يتذكر ذلك.
وقال جمعة "إن من حق المسلمين أن يظهروا شعائر دينهم أسوة بالمسيحيين الذين يعلنون شعائرهم فى الكنائس" ، داعيا الأوروبيين عامة والسويسريين خاصة لأن يكونوا متسامحين وأن يعاملوا المسلمين كما يعاملون اتباع الديانات الأخرى حتى يكسبوا محبتهم ويشعروهم بالأخوة والمساواة وحتى تتحقق مبادى الاندماج والمشاركة داخل المجتمعات الأوروبية.
من جانبه، ندد الشيخ حامد البيتاوي رئيس رابطة علماء فلسطين والنائب في المجلس التشريعي بنتيجة الاستفتاء واعتبره تعدي على الحرية الدينية للمسلمين.
وقال ان هذه الخطوة تمس عقيدة مليار ونصف المليار مسلم في العالم وتعتبر أيضا على قضايا حقوق الإنسان التي تتشدق سويسرا بها.
وأكد البيتاوي ان ذلك يؤدي الى نشر الكراهية والعنف بين شعوب العالم خاصة ان هناك اقليات في العالمين العربي والإسلامي تعيش بأمن وطمأنينة وتمارس حريتها الدينية بشكل كامل.
وطالب الحكومة السويسرية بالعدول عن هذا القرار والتوجه داعيا العقلاء في اوروبا كافة الى التدخل ووضع حد لاية محاولات لنشر الكراهية بين اتباع الديانات. واستذكر رئيس رابطة علماء فلسطين محاولات كل من فرنسا بمنع الحجاب في الجامعات والمانيا بمنع اقامة اضخم مسجد في المانيا
في نفس السياق، عبر النائب الكويتي وليد الطبطبائي عن استيائه من منع بناء المآذن في سويسرا بعد ما أيد الشعب السويسري الاستفتاء الذي أجرته الحكومة الذي يقضي بحظر بناء المآذن للمساجد الموجودة في الدولة.
وقال الطبطبائي لصحيفة "القبس" الكويتية إن هذا القرار يؤكد استمرار الروح الصليبية في بلد يدعى الريادة في الحكم الليبرالي العلماني، في حين ان العالم الإسلامي استوعب آلاف الكنائس التي رفعت صلبانها على مدى 15قرنا.
واعتبر المفكر الإسلامي طارق رمضان، المقيم في جنيف والذي يدرس في جامعة أكسفورد ببريطانيا، نتيجة الاستفتاء "كارثية"، وقال لصحيفة "الشرق الاوسط" اللندنية إن "السويسريين عبروا عن خوف حقيقي، وعن إشكالية عميقة حول الوجود الإسلامي في سويسرا".
من جهته، قال الدكتور هشام مايزار، عضو مجلس الأديان في سويسرا، إن التصويت لصالح حظر بناء المآذن "فرصة لاستكمال الحوار (مع السويسريين) وتعريفهم بالإسلام الحقيقي".
وأضاف "لن تمنعنا أية نتيجة (للاستفتاء) من الاستمرار في بناء المساجد
كما ادانت اكبر منظمة مسلمة في اندونيسيا الاثنين نتيجة الاستفتاء على منع بناء المآذن في سويسرا معتبرة انه ينم عن "كراهية" و"لا تسامح". لكن جمعية نهضة العلماء دعت في الوقت نفسه المسلمين في اندونيسيا، اكبر دولة مسلمة في العالم، الى "عدم المبالغة في الرد" على قرار السويسريين الذين صوت 57,5% منهم على حظر المآذن.
وقال مشكوري عبد الله نائب رئيس العلاقات الخارجية في الجمعية انه دليل كراهية من قبل السويسريين حيال المسلمين. انهم لا يريدون وجودا للاسلام في بلدهم وهذا الرفض يجعلهم غير متسامحين".
واضاف "انه امر مؤسف حقا". ودعا عبد الله المسلمين في اندونيسيا الى الرد "بابداء تسامحهم وتمسكهم بحرية العبادة". واضاف "لكن من الصعب تجنب ان يتظاهروا ليعبروا عن استيائهم. نريدهم ان يفعلوا ذلك بطريق سلمية"
ردود فعل دولية
وفي رد فعل على الاستفتاء، أعربت كاترين جورينج السياسية في حزب الخضر الألماني (ايكارت)عن صدمتها من نتيجة الاستفتاء وقالت في تصريحات للقناة الثانية في التليفزيون الألماني اليوم الإثنين :"لا يجب أن تخضع الحرية الدينية لاستفتاء".
وأضافت ايكارت:"قيل أن الأمر يتعلق بالمآذن فحسب ولكنه يتعلق في الحقيقة بحرية الأديان" وأكدت:"أشعر بالصدمة لأن هذا يعني أن المسلمات والمسلمين غير مرحب بهم في سويسرا".
وانتقدت ايكارت بشدة اللوحات الدعائية التي كانت تحث المواطنين على المشاركة في الاستفتاء والتي ظهر فيها علم سويسرا وفوقه مآذن سوداء وامرأة منتقبة ووصفته بـ "العنصري" وقالت:"يجري هنا نشر الخوف من شيء لا علاقة له بالاسلام على الإطلاق".
كما نقلت صحيفة "الشروق" المصرية عن صحيفة "24 ساعة" السويسرية: "إن حظر بناء المآذن يأتي ليضاف إلى قائمة مثيرة للانزعاج، تشمَل قضايا اقتصادية وسياسية، تضع بلادنا في موقِع ضُعفٍ على الخارطة الدولية"، وأضافت أن الذين يُمارسون مِهنة الترويج لسويسرا في الخارج، "سيحتاجون إلى التوفّر على عكّاز حاج متين (في إشارة إلى ضرورة التنقّل بين البلدان الإسلامية لإقناعها وشرح ما حدث) وإيمان لا يتزعزع".
من جانبها، لاحظت صحيفة "لا تريبون دو جنيف" أن "العالم أجمع يعبِّر اليوم عن استنكاره ويتساءل عن الدوافِع السويسرية" الكامنة وراء هذه النتيجة، كما عبّرت عن خِشيتها من أن تكلِّف هذه الإهانة للإسلام، غاليا، "انتقاما.. مقاطعة.. عقوبة...".
من جهتها، قالت صحيفة "لا ليبرتي": "في الوقت الذي نواجه فيه العديد من التحديات الأخرى، من الأزمة الاقتصادية إلى النزاع مع ليبيا، مرورا باختفاء السر المصرفي، يبقى الأمل قائما في أن الثمن لن يكون مرتفعا جدا". أما صحيفة نويه تسورخر تسايتونج، الصادرة بالألمانية في زيورخ، فتوقّعت أن "دبلوماسيينا سيكونون مدعوين للقيام بعمل كبير".
ونقلت صحيفة "الرأي" الأردنية عن صحيفة "ديلي تلجراف" البريطانية قولها: إن كل الجهود التي بذلها كثير من رجال الأعمال السويسريين خاصة من لديهم مصالح بالدول الإسلامية والعربية وكذلك ما قامت به الحكومة السويسرية وعدد كبير من سياسييها كل ذلك لم يفلح في إقناع السويسريين بالتصويت ضد القرار المطالب بحظر بناء المآذن في سويسرا.
ونقلت في هذا الإطار ردة فعل رئيس لجنة مبادرة حظر المآذن وولتر ووبمان بعيد صدور نتائج الاستفتاء حين قال "نحن سعداء للغاية, فاختيار السويسريين حظر المآذن انتصار لسويسرا ولحريتها ولمن يريدون مجتمعا ديمقراطيا فيها, فهدفنا هو فقط وقف المزيد من أسلمة سويسرا".
لكن الصحيفة نبهت إلى أن كثيرا من السياسيين الأوروبيين والسويسريين على حد سواء عبروا عن خيبة أملهم من هذه النتيجة, إذ عدها رئيس الجمعية البرلمانية للمجلس الأوروبي أندريس جروس"صفعة في وجه كل من لديه فكرة عن حقوق الإنسان".
وأضاف أن هذا ينم عن نقص في المعلومات وفي التربية السياسية في سويسرا, ولهذا انجر الناخبون السويسريون وراء عواطفهم, وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن ديمقراطية سويسرا المباشرة قد فشلت من أساسها, على حد تعبير جروس.
يذكر ان هناك حوالى نصف مليون مسلم في سويسرا، اغلبهم من يوغسلافيا السابقة او تركيا، والاسلام هو اكثر الديانات انتشارا في البلاد بعد المسيحية، لكن رغم وجود اماكن للصلاة فان المساجد ذات المآذن قليلة جدا ومتباعدة.
ولا يوجد سوى اربعة مآذن في كل سويسرا، وفي السنوات الاخيرة قوبلت كل طلبات بناء المآذن بالرفض. ومع انه لا يوجد دليل واضح على التطرف الاسلامي في سويسرا فان مؤيدي الحظر يقولون ان وجود المآذن سيمثل نمو ايديولوجية ونظام قانوني لا يتسق مع الديموقراطية السويسرية.
وكانت المشكلة قد بدأت عام 2006 عندما تقدم المسلمون في بلديات أولتن وفيل ولانجنتال بطلب لإلحاق مآذن بمساجدهم, وأثار هذا الطلب جدلا علي المستوي السويسري تعدي البلديات المعنية وفجر نقاشات علي الصعيد السياسي, وزادت الاحتجاجات والمناقشات السياسية جدلا حول كيفية معالجة تراخيص بناء المساجد والمآذن, مما أدي في النهاية إلي اقتراح بإلحاق نص بالدستور السويسري يمنع بناء المآذن بسويسرا, وهو ما جري الاستفتاء عليه امس بالقبول.