ليس التصميم الإنشائي القاصر هو المشكلة الوحيدة التي قد تتسبب بانهيار المنشأة، و إنما يجب الانتباه أيضاً إلى نوعية التنفيذ
و مدى الالتزام بتطبيق التصميم على أرض الواقع، فغالباً ما تكون الانهيارات بشكلٍ عام ناتجة إما عن أخطاء تصميمية و/أو تنفيذية، و تتجلى الأخطاء التصميمية بعدم الالتزام بمتطلبات الأكواد الهندسية أو سوء تقدير الحمولات أو خلل في اعتبارات الجملة المقاومة أو أخطاء في الحسابات ..إلخ، أما الأخطاء التنفيذية فتظهر في عدم الالتزام بالاشتراطات التصميمية أو سوء اختيار المواد أو تكنولوجية التنفيذ القاصرة أو قلة نوعية التنفيذ بشكلٍ عام.
و مدى الالتزام بتطبيق التصميم على أرض الواقع، فغالباً ما تكون الانهيارات بشكلٍ عام ناتجة إما عن أخطاء تصميمية و/أو تنفيذية، و تتجلى الأخطاء التصميمية بعدم الالتزام بمتطلبات الأكواد الهندسية أو سوء تقدير الحمولات أو خلل في اعتبارات الجملة المقاومة أو أخطاء في الحسابات ..إلخ، أما الأخطاء التنفيذية فتظهر في عدم الالتزام بالاشتراطات التصميمية أو سوء اختيار المواد أو تكنولوجية التنفيذ القاصرة أو قلة نوعية التنفيذ بشكلٍ عام.
"الهندسة الإنشائية هي ذاك الفن و العلم في نمذجة المواد التي لا نفهمها تماماً إلى أشكالٍ لا نستطيع تحليلها بدقة لتقاوم حمولات لا نستطيع توقعها بشكل تام، و كل هذا في مجتمعٍ غالبيته الساحقة لا تدرك محدودية المعرفة التي نحيط بها"
الأساسات:
تعتبر الأساسات هي العنصر الأهم في أية منشاة، و هذا يتطلب إعطاؤها أهمية خاصة و تصميمها لمقاومة الزلازل.
إن العديد من الانهيارات ناتجة عن مشاكل في الأساسات، فقلة عمق التأسيس تزيد من احتمال انقلاب المنشأة أو انزلاقها، كما أن قلة الروابط بين القواعد (الشناجات) تزيد من خطر الهبوطات التفاضلية الناتجة عن هبوط التربة أو تميعها.
يؤدي اهتزاز التربة إلى تخلخلها و نتيجة لذلك تصبح الرقبات أعمدة حرة غير مطوقة، و بالتالي يجب الانتباه إلى الرقبات القصيرة (حالة العمود القصير) أو الرقبات الطويلة (حالة الطابق اللين)، كما يجب تفادي التأسيس على مناسيب مختلفة أو على أنماط مختلفة من تربة التأسيس أو اعتماد أساليب تأسيس متباينة (أوتاد و قواعد منفردة مثلاً).
انهيار ناتج عن اختلاف مناسيب التأسيس، زلزال أرمينية
إن أكثر طرق التأسيس مقاومةً للزلازل هي الحصيرة العامة حيث يكون احتمال حدوث الهبوطات التفاضلية قليلاً، و عندما تكون هذه الحصيرة مستندة إلى أوتاد يصبح احتمال انقلاب المنشأة نادراً.
الطنين:
عندما يتوافق دور الاهتزاز الطبيعي للموقع مع دور الزلزال يحدث تضخيم للحركة الأرضية بشكل كبير و هذا ما يعرف بالطنين، و بالتالي تتعرض الأبنية لحركة أرضية أكبر من الحركة التي يمكن أن يسببها تحرر الطاقة الزلزالية.
في عام 1985 حصل زلزال في ميكسيكو سيتي بلغت درجته 8.1 ريختر ثم تبعته هزة ارتدادية بلغت درجتها 7.1 ريختر، تهدم بنتيجة ذلك 400 مبنى و تضرر حوالي 700 مبنى آخر و كانت حصيلة القتلى أكثر من 5000. تألف هذا الزلزال من عشرين هزة بتسارع 0.18 g كل 2 ثانية (الدور الطبيعي للتربة) و قد توافق هذا الدور مع الطور الطبيعي للأبنية المؤلفة من 7-20 طابقاً، مما أدى لحصول حالة طنين كانت السبب في تلدن المنشآت و انهيارها، حيث لم تكن نوعية الإنشاء سبباً رئيسياً في هذا الدمار الواسع.
يعتبر الطنين هو العامل الأساسي لانهيار 880 منشأة في زلزال لوما بريتا، إذ تزامن الدور الخاص للأبنية (تواتر 2 هزة/ثا) مع الدور الخاص لطبقات الطين العميق (تواتر 3-5 هزة/ثا).
الانهيارات الشاملة غالباً ما تحدث بسبب الطنين، زلزال القاهرة
الأعمدة المعلقة:
من خلال استعراض عدد من حالات الانهيار لوحظت إحدى آليات الانهيار وصفت بأنه غير اعتيادية، و هي انهيار الكتلة الطابقية لعددٍ من الطوابق الدنيا و بقاء بلاطة الطابق الأخير مع الأعمدة الحاملة لها التي أصبحت محمولة من بلاطة الطابق نفسه.
الأعمدة المعلقة، زلزال أضنة
الأعمدة المعلقة، زلزال دينار
يمكننا إعطاء تفسير لهذه الحالة و ذلك كما يلي:
من الملاحظ أن الطابق الأخير عبارة عن طابق مضاف على كتلة البناء و هو ليس من أصل البناء، و عادةً يتم تنفيذ أعمدته ـ في حال عدم الإبقاء على الأعمدة مسبقاً ـ بغرز قضبان تسليح الأعمدة الجديدة ضمن الأعمدة القديمة، و إجراء أعمال الكوفراج، و صب البيتون الذي قد ينفذ بنوعية أفضل من بيتون الطوابق الدنيا نظراً لقلة حجم الأعمال البيتونية فيه و كونه الطابق النهائي في البناء.
إن التسلسل السابق يشير إلى قلة أطوال التراكب بين الأعمدة الجديدة و الأعمدة القديمة، و لذلك عند حصول زلزال تنفصل الأعمدة الجديدة عن الأعمدة القديمة عند انهيار الطوابق الدنيا، و تبقى هذه الأعمدة معلقة ببلاطة الطابق الجديد الذي يتصف بنوعية تنفيذ جيدة تساهم في بقاءه دون انهياره بشكلٍ كامل.
التسليح الطولي:
تزداد مشاكل التسليح الطولي خطورةً في حال تطبيق الحمولات الآنية المتناوبة، فقلة التسليح الطولي في مناطق العزم السالب و عدم تنفيذ تسليح الأظفار وفقاً لمتطلبات الاشتراطات التصميمية تزداد آثارها السلبية أثناء حدوث الزلزال.
من المعروف أن عوامل الأمان التي تؤخذ عند تصميم المقاطع البيتونية (زيادة الحمولات في الطريقة الحدية، تخفيض مقاومات المواد في الطريقة الكلاسيكية) تساهم في التخفيف من الأخطار التي قد تنجم عن عيوب التصميم و/أو التنفيذ، إلا أن هذه العيوب تتبدى بوضوح بعد حدوث الزلزال بالرغم من أن بعض هذه العيوب كبيرة بالشكل الذي لا يمكن السماح به حتى في ظروف التحميل الساكن.
إن زيادة التسليح الطولي بشكلٍ عشوائي قد يؤدي إلى إضعاف المقطع البيتوني ديناميكياً و خاصةً عند استخدام التسليح الطولي بأقطارٍ كبيرة، و ذلك لاختلاف طبيعة الاهتزاز بين البيتون و الفولاذ مما يؤدي إلى حصول انفصال بينهما.
قلة التسليح الطولي بشكل غير مقبول، زلزال دينار
انفصال فولاذ
التسليح العرضي:
عادةً لا يتم إيلاء التسليح العرضي أهميةً كبيرةً في الحسابات التصميمية، و يتم التركيز على التسليح الطولي بشكلٍ خاص حيث تكون عزوم الانعطاف في الجوائز و قوى الضغط في الأعمدة هي السائدة غالباً، و هذا الأمر يندرج حتى على الكودات التصميمية إذ لا توجد علاقة حسابية تعطي كمية التسليح العرضي في الأعمدة مثلاً.
إن كثرة الانهيارات الناتجة عن عدم كفاية التسليح العرضي، جعلت بعض الكودات (الأميركي، التركي، التايواني ..) تعتمد ما يسمى بالإسوارة الزلزالية الخاصة Special Seismic Hoops and Crossties و هي مبينة في الشكل التالي.
يظهر سوء التسليح العرضي في التباعدات الكبيرة بين الأساور و صغر قطر الإسوارة و عدم تنفيذ التسليح العرضي بالشكل الملائم، و تزداد أهمية التسليح العرضي بالقرب من مناطق العقد و التراكبات و ضمن الأعمدة القصيرة.
الإسوارة الزلزالية
انعدام التسليح العرضي بالقرب من منطقة العقدة، زلزال أضنة
انعدام التسليح العرضي بالقرب من منطقة العقدة، زلزال أثينة
انقلاب البناء:
يعتبر انقلاب المباني واحد من أنماط الانهيار الهامة و المميزة للقوى الأفقية، و لانقلاب المباني أسباب عديدة منها:
- قصور الدراسة التصميمية عن دراسة احتمال الانقلاب و ذلك للاعتقاد المسبق لدى المهندس الدارس أن عزم التثبيت الناتج عن الحمولة الشاقولية للمبنى كافٍ للتفوق على عزم الانقلاب الناتج عن الحمولة الزلزالية. - حصول تميع في تربة التأسيس بحيث يكون هذا التميع في أحد أطراف البناء و يؤدي إلى دوران الأساسات، و بالتالي انقلاب المبنى.
- اختلاف الطبيعة الجيوتكنيكية لتربة التأسيس مما يؤدي إلى حصول هبوطات تفاضلية كبيرة.
- انهيار أعمدة أحد الطوابق الدنيا بسبب تشكل الطابق اللين مثلاً.
- الجملة الإنشائية التي تساعد على حصول الانقلاب.
- عدم سند الجملة.
- تدنى عمق منسوب التأسيس.
- عزوم انقلاب ناتجة عن حمولة زلزالية هائلة يستحيل أن تقاومها عزوم التثبيت.
- و قد يكون الانقلاب ناتج عن واحد أو أكثر من هذه الأسباب.
انقلاب مميز ناتج عن تشكل الطابق اللين، زلزال تشي تشي
من المدهش أن المباني المائلة لا تظهر أية أضرار إنشائية باستثناء الأضرار الناتجة عن حدث الانقلاب بحد ذاته، حتى التشققات الشائعة التي تصادف في جدران القواطع و الواجهات غير ظاهرة على هذه المنشآت، و هذا يشير إلى أن تفريغ الطاقة الزلزالية تم بانقلاب المنشأة مباشرةً، أي أن أول تأثير مباشر للزلزال على المنشأة المنقلبة يكون بالانقلاب و ليس بالاهتزاز الذي إن حدث فهو سيؤدي إلى التشققات في حدوده الدنيا، و بهذا التحليل يمكننا تصور مدى الطاقة التدميرية للزلازل.
بعد الزلزال
أثناء أعمال التأهيل الجملة الإنشائية على شكل حرف T ساعدت على انقلاب جسر هانشين في زلزال كوبي، و كما يبدو في أعمال التأهيل فإن شكل الجملة تم تعديله.
عدم سند الجملة الإنشائية يؤدي إلى الانقلاب، زلزال نورثريدج
إن عدم استقرار المنشأة بعد حصول الزلزال يشكل خطراً كبيراً على الأرواح، ذلك أن أي اهتزاز آخر ناتج عن هزة ارتدادية مثلاُ قد يؤدي إلى انهيار المنشأة بشكل كامل.
بعد الزلزال الرئيسي
أثناء الهزة الارتدادية
بعد الهزة الارتدادية
الهزة الارتدادية أدت إلى الانهيار الكامل لمنشأة مائلة بسبب زلزال أرمينية
الهزة الارتدادية أدت إلى الانهيار الكامل لمنشأة مائلة بسبب زلزال أرمينية
الجملة الإنشائية:
إن اختيار و تصميم الجملة الإنشائية بشكل جيد يساهم في رفع أداء المنشأة إزاء الحمولات المطبقة عليها، و في بعض الأحيان يتم اختيار الجملة لتوافق الحمولات التقليدية المطبقة عليها التي تكون في معظم الأحوال حمولات شاقولية دون الأخذ بعين الاعتبار القوى الديناميكية التي تؤدي إلى حمولات أفقية و شاقولية بالاتجاهين.
إن تطبيق الاشتراطات التصميمية يساهم إلى حد ما في زيادة كفاءة المنشآت إزاء القوى الديناميكية، كمثل الاشتراطات الخاصة باستمرارية جزء من التسليح في منطقة العزم السالب، و الاشتراطات الخاصة بالأظفار، و اشتراطات التسليح العرضي الدنيا في الأعمدة مثلاً.
لقد رأينا في التقرير الزلزالي لزلزال العقبة كيف أن توجيه جميع أعمدة المبنى باتجاه واحد أدى إلى انهيار المبنى في الاتجاه المعامد نظراً لضعف عطالته بهذا الاتجاه، و في الحقيقة هذه الملاحظة في غاية الأهمية و إن لم تذكر في أكواد البناء.
إن العديد من التصاميم المعمارية السيئة زلزالياً يمكن تخفيف أثرها باعتماد تصميم إنشائي ملائم يساهم في رفع كفاءة المنشأة و زيادة مقاومتها، و بشكل معاكس يمكن أن يؤدي الاختيار و التصميم الإنشائي السيئ إلى إضعاف المنشأة مهما كان التصميم المعماري مثالياً، و خير مثال على ذلك يتبدى في مشاكل الفتل.
من المعروف تماماً أن هناك حدود دنيا لأبعاد الأعمدة يجب ألا تقل عنها، و لكن التسرع باعتماد أبعاد أقل من الحدود الدنيا و إن كانت هذه الأبعاد تحقق متطلبات الأحمال الشاقولية تظهر مشاكلها في الأحمال الأفقية.
انهيار ناتج عن عدم تطبيق المتطلبات الأساسية الخاصة بأبعاد الأعمدة، زلزال دينار
و كما هو معروف فإن العناية القصوى يجب أن تعطى للعناصر الحاملة بعكس تسلسل وصول الحمولة إلى تربة التأسيس، أي لا يجوز التهاون في تصميم القواعد و الأعمدة بتاتاً، و هذه القاعدة يجب اعتمادها في التصميم الزلزالي أيضاً مع إعطاء أهمية خاصة للأظفار و عناصر الربط أيضاً، حيث تعتبر الشناجات مثلاً من العناصر الهامة في الجملة المقاومة التي تساهم في تأمين العمل الفراغي و تناسق الانتقالات الحاصلة في القواعد.
التراكبات و الوصلات:
إن قلة الاعتناء بتصميم و تنفيذ التراكبات يضعف من عمل العنصر الإنشائي و يعرضه للانهيار في منطقة التراكب، فتناوب الإجهادات سوف يؤدي إلى الانهيار ما لم تكن مناطق التراكب مصممة بشكلٍ مناسب.
إن أطوال التثبيت و التراكب التي تؤخذ في الأعمدة باعتبارها مضغوطة تصبح غير ملائمة عند حدوث الزلزال الذي قد يؤدي إلى نشوء إجهادات شادة فيها، و بالتالي يتوجب اعتماد أطوال تثبيت و تراكب على الشد لا على الضغط، و في مجمل الأحوال يجب تفادي تنفيذ التراكبات في مناطق العقد.
انهيار في منشأة صناعية بإزميت ناتج عن قلة أطوال التثبيت
طول التثبيت على الضغط لن يكون كافياً عند حدوث زلزال، زلزال إزميت
طول التثبيت على الضغط لن يكون كافياً عند حدوث زلزال، زلزال إزميت
من حالات الانهيار المميزة و الناتجة عن مشاكل التراكب هي حالة الأعمدة المعلقة.
القساوة أم الطواعية:
تعبر القساوة Stiffness عن قدرة المنشأة على مقاومة التشوهات، على عكس قدرة التحمل Strength التي تعبر عن قدرة المادة على مقاومة الحمولات، و هي تتشابه مع الصلابة Rigidity التي تعبر عن كفاءة العنصر على مقاومة التشوهات، و المنشآت التي لا تملك القساوة تدعى قابلة للتشوه Flexible .
أما الطواعية Ductility فهي تصف سلوك الحمولة-التشوه الناتج عن الخضوع اللدن للمواد أو الوصلات، و للتوضيح فإن التشوه اللدن الذي يسبق الانهيار يجب أن يكون كبيراً بشكل معتبر عن التشوه المرن حتى حد الخضوع المرن.
إن المنشآت التي تملك قساوة مرتفعة تتصف بتشوهات محدودة، و هذه المنشآت مفضلة في المناطق التي تتعرض إلى شدات زلزالية منخفضة إلى متوسطة بحيث لا تؤدي التشوهات المحدودة المنشأة إلى حدوث أضرار غير إنشائية و تكون الطاقة الزلزالية محتملة من قبل المنشأة، أما في الزلازل الكبيرة و نظراً للقدرة المحدودة على التشوه فإن تفريغ الطاقة الزلزالية سوف يكون في انكسار العناصر الإنشائية، و الذي يكون في هذه الحالة انكساراً قصيفاً (انفجارياً).
واحد من الأعمدة المنهارة المسبقة الصنع الحاملة لجسر طرقي في نورثريدج،
يمثل هذا الانهيار نمط الانهيار في العناصر المرتفعة القساوة
أما المنشآت التي تملك طواعية مرتفعة فهي أقدر على مقاومة القوى الزلزالية و ذلك بتحرير الطاقة عن طريق التشوه مقارنة بالعناصر المرتفعة القساوة، أما مساوئ المنشآت المطواعة فهو التشوه الكبير الذي قد يؤدي في شدات زلزالية منخفضة إلى حصول أضرار غير إنشائية كبيرة مثل حصول التشققات في جدران القواطع و الواجهات.