أفتى المستشار بالديوان الملكي السعودي الشيخ عبد المحسن العبيكان بحرمة زواج السعودي من امرأة أجنبية بدون حصول على تصريح رسمي من السلطات يسمح له بذلك وأرجع فتواه إلى أن السعوديين "لا يقصدون بارتباطهم بالأجنبيات الزواج الذي فيه ارتباط وألفة، بل يقصدون المتعة"؛ وعلى هذا فإن "زواج السعودي من غير السعودية في أراضي المملكة من دون تصريح حرام، ولا يجوز شرعا لما فيه من مخالفة لولاة الأمر"، بحسب ما نقلت عنه صحيفة القدس العربى.
وتأتي فتوى العبيكان في وقت أصبح فيه زواج السعوديين من أجنبيات، خاصة المقيمات منهن في السعودية، بدون تصريح من الحكومة ظاهرة متنامية، تسببت في إفراز إشكاليات ومآس اجتماعية كبيرة، أبرزها أطفال مجهولو النسب، خاصة أن هذا النوع من الزواج غالبا ما يكون سريا ومؤقتا.
ووزارة الداخلية هي الجهة المعنية بإصدار تصريح زواج السعوديين من أجنبيات، وتأخذ الموافقة على طلب الزواج اعتبارات عديدة، منها أن لا يقل عمره عن 35 سنة إلا إذا كان مطلقا، وأن لا يكون من الفئات الممنوعة، كالوزراء وشاغلي المراتب الممتازة وأعضاء السلك القضائي وموظفي الديوان الملكي وموظفي وزارة الخارجية وأعضاء مجلس الشورى ومنسوبي القوات النظامية والعاملين في المباحث والاستخبارات، وغيرهم من الموظفين الذين يشغلون وظائف ذات أهمية خاصة.
وإذا تم الزواج بدون تصريح رسمي تتم محاكمة المتزوج تأديبيا بعدم توثيق عقد الزواج من قبل الجهات المختصة في السعودية، بالإضافة إلى عدم السماح بدخول الزوجة إلى المملكة وإنهاء إقامتها إذا كانت موجودة بالداخل.
"صحيح" و"حرام"
من جهته، اتفق الشيخ الدكتور محمد النجيمي، عضو مجمع الفقه الإسلامي، مع العبيكان في فتواه، منبها إلى أن حرمة زواج السعودي من أجنبية بدون تصريح "لا تعني أن الزواج في ذاته يكون باطلا، ولكن الفعل نفسه، أي الإقدام على خطوة الزواج وكتابة عقد غير مصرح به، هو ما يصبح محرم شرعا؛ لأنه يخالف القوانين والأنظمة المتبعة في البلاد، وفيه معصية لولي الأمر".
وأضاف النجيمي أن: "الزواج من حيث توفر الأركان صحيح ولا غبار عليه، ولا يمكن أن نتهم طرفي الزيجة بالزنا، لكن يتهمان بأن فعلهما حرام باعتبار أنهما خالفا القانون، ويترتب عليها عقوبات، وفيها إجبار الزوج على الطلاق إذا رأي القاضي ذلك؛ لأنهما سيتسببان في ضرر بالغ عليهما وعلى أولادهما مستقبلا".
"مأساة"
الباحث الاجتماعي محمود الشهري لفت من جانبه إلى أن ظاهرة زواج السعوديين من غير سعوديات دون تصريح بات "ظاهرة خطيرة، خلفت إشكالات اجتماعية عميقة؛ نظرا لعدم اعتراف الدولة به".
ومن بين هذه المشكلات، بحسب ما قال ، ضياع حقوق الحضانة والميراث والنفقة على الزوجة، كما أن وفاة الزوج قبل أن يتم تعديل الوضع تؤدي إلى عدم شرعية هذا الزواج.
وأضاف الشهري أن عددا كبيرا من الزيجات التي تمت بهذه الطريقة والتي يقبل عليها الكثيرون بسبب انخفاض تكاليفها "انتهت إلى قاعات المحاكم، وأفرزت واقعا اجتماعيا سيئا للغاية، تضمن أطفالا مجهولي النسب؛ ما تسبب في حرمانهم من المدارس، كما عانت زوجات بعد الطلاق من عدم رؤية أولادهن".
"أنا لا أمانع من أن يتزوج سعودي من أجنبية، لكن أطالب بأن يكون الطرفان على قدر من المسئولية تجاه مستقبلهما، بحيث يكون زواجهما مقننا حتى لا تفرز تلك الزيجة مشاكل لا تحمد عقباها".
"سواق رائجة"
من جانب آخر ساهمت ظاهرة الزواج من غير تصريح في بروز سوق محمومة لدى بعض الخاطبات اللاتي يحصدن أرباحا كبيرة من رغبة بعض الرجال في الارتباط بطريقة عاجلة وغير مكلفة دون التحقق في هويات من سيرتبطون بهن.
وتتركز مهمة الخاطبات في إعداد قوائم من الرجال السعوديين والنساء الأجنبيات المقيمات بالمملكة الراغبين في الزواج السري، وتحديد مواصفات كل شخص ومعلوماته العامة.
وتحصل الخاطبة على نسبة من المهر عن كل زيجة لا تقل عن خمسة آلاف ريال (1300 دولار)، طبقا لجمال الزوجة وثراء الرجل والخدمات الخاصة التي تقدمها للعروسين، كإحضار مأذون شرعي تتعامل معه يجيد حبك عقود المسيار، وتأمين مكان الاحتفال المبسط، سواء في منزلها أو منزل الزوجة، أو ترتيب حجوزات الفنادق.
وقد طالب العبيكان بوضع حد من قبل الجهات المختصة للحيلولة دون عبث الخاطبات والخاطبين بالأعراض؛ حتى لا يكونوا أداة لنشر الفساد والرذيلة في البلاد.
أما الاتجاه الثاني فيخص السماسرة الذين يقنعون السعوديين الراغبين في تقنين زواجهم من أجنبيات بأنهم قادرون على الحصول سريعا وبسهولة على تصاريح بالزواج من الجهات المعنية، وتختلف المبالغ التي يدفعها البعض لأولئك السماسرة للحصول على التصريح المطلوب، حيث تبلغ أحيانا 20 ألف ريال سعودي (5 ألف دولار).
"تحايل"
ولفت المستشار الأسري السعودي ناصر الثبيتي إلى أشكال أخرى من التحايل، منها ما يصدر من بعض النساء الأجنبيات المقيمات أنفسهن اللواتي "يتحايلن على النظام ويضللن المأذون؛ كون الغالبية منهن ليس لديها ولي أمر، وتبادر إلى إحضار أي شخص، وتدعي أنه ولي أمرها كي يعقد المأذون النكاح".
وكذلك يصدر التحايل مع بعض المأذونين "الذين يخالفون النظام، ويقومون بعقد قران الأجنبية، ولا يكتبون عقد الزواج على ورقة رسمية، بل على ورقة عادية حتى لا يدخل في مشاكل، حيث تعد مخالفة صريحة لأنظمة البلاد تستوجب سحب ترخيص العمل منه"، محذرا من أن غالبية من يعقد زواج المواطنين من أجنبيات ليسوا بمأذوني أنكحة، بل إن بعضهم ينتحل شخصية مأذون".