يؤكد الباحث والمؤرخ الإغريقي هيرودوتس أن الفرعون رحامسينتينس كان أغنى ملوك مصر على الإطلاق ممن حكموا قبله وبعده. ثروته كانت تقدر بأربعمائة ألف وحدة ذهبية talent وهذه (التالنت) الذهبية كانت عبارة عن وحدة قياس تعادل قدماً مكعبا واحدا. أي أن ذلك الفرعون كان يملك 400000 قدماً مكعباً من الذهب!
رحامسينتينس صرف ردحاً من الزمن في جمع تلك الثروة العريضة الهائلة. وقد أمر أحد المهندسين المعماريين كي يقوم بتصميم مبنى حجري ضخم لحفظ ثروته يدعى (الخزنة). أحد جوانب الخزنة كان ملاصقاً للقصر الملكي بحيث كان الملك يستطيع الدخول إلى الخزنة مباشرة من إحدى غرف القصر.
لكن المهندس الذي استدعاه الفرعون للقيام بتلك المهمة كان لصاً ذكياً بحيث صمم أحد الأحجار في أحد المداميك السفلى للجدار الخارجي بكيفية يمكن معها لرجلين اثنين أو لرجل واحد قوي سحب الحجر من مكانه والدخول إلى خزينة الملك العامرة.
وما أن اكتمل بناء الخزنة حتى وضع الملك كل ذهبه فيها على أساس أنها مكان آمن مأمون من الأيدي والعيون.
وعندما شعر المهندس بدنو أجله استدعى ولديه الإثنين وأبلغهما أن مستقبلهما الذهبي مضمون بفعل حيلته وفضل خزينة الملك، وأخبرهما عن موضع الحجر السري وأبعاده وكيفية معالجته بغية الدخول إلى الخزنة. وقال لهما إن أنتما راعيتما الحيطة والحذر فسيكون لكما نصيب وافر في ثروة صاحب الجلالة.
بعد وفاة والدهما، وعملا ً بنصيحته انطلق الأخوان ليلا باتجاه القصر فوجدا الحجر تماماً بحسب المواصفات التي ذكرها لهما، فتمكنا من نزعه من مكانه بسهولة ودخلا الخزنة وعادا سالمين غانمين بعد أن أعادا الحجر إلى موضعه.
في اليوم التالي، عندما دخل الملك إلى الخزنة لاحظ نقصاً في الذهب الموضوع في الأواني الفخارية. وبما أنه لم يشك بأحد ولم يرَ منفذا واحدا يشي بدخول اللصوص، وبما أن للخزنة مفتاحاً واحداً هو بيده، فقد ازدادت حيرته و(لعب الفأر في عبه.)
اللصان واصلا زياراتهما للخزنة واستمر تناقص الذهب الذي كان الملك يرصده يوما بعد يوم، فلم يعرف سر ذلك واحتار في أمره. أخيراً قرر أن يضع مصائدَ حول حاويات الذهب لعل وعسى!
كالمعتاد تابع الأخوان غزواتهما الليلية، ولكن في هذه المرة ما أن اقترب أحدهما من إحدى الجرار حتى صادته المصيدة التي لم يكن بالإمكان الفكاك منها. فنادى أخاه وطلب منه على الفور أن يقطع رأسه للتغطية على الجريمة وللحفاظ على حياة شقيقه.
راقت الفكرة لشقيقه بالرغم من هولها. وبعد أن تغلب على عواطفه، قطع رأس أخيه وخرج من الطاقة ثم وضع الحجر مكانه وعاد إلى بيته يحمل الرأس بعد أن ترك الجثة داخل الخزنة.
ومع طلوع الفجر دخل الملك إلى الخزنة فوجد جثة لإنسان دون رأس. وكالمعتاد لم يعثر على دليل يوحي بدخول أحد إلى الخزنة أو خروجه منها، فكاد يفقد عقله من شدة الذهول.
مع ذلك صمم على حل هذا اللغز العجيب فأمر بتعليق الجثة على الحائط الخارجي للقصر وطلب من الحراس أن يتفرسوا في وجوه المارة وأن يلقوا القبض على من تبدو عليه آثار الحزن والانفعال لدى رؤية الجثة المقطوعة الرأس.
وكانت أم ذلك الشاب (المقطوع الرأس) قد عرفت بمصيبته فراحت تلح وتلحف على شقيقه كي يفعل ما بوسعه لاسترجاع الجثة ودفنها دفناً لائقا. ومع تلكؤ ولدها في تلبية رغبتها هددته بأنه إن هو لم يفعل ما طلبته منه ستذهب بنفسها إلى الملك وتخبره بالقصة.
حاول الابن الاعتذار وتبرير عجزه لكن أمه لم تقبل له عذرا. أخيراً تفتقت له حيلة فأحضر عدة أزقاق (مصنوعة من الجلد) وملأها بالخمر ووضعها على ظهور الدواب وساقها إلى حيث الجثة والحراس.
وما أن اقترب من الحراس حتى نزع رباط زقين أو ثلاثة، ومع تدفق الخمر راح يضرب رأسه ويولول ويقول ما معناه (راح الخمر يا ناس. يا خسارتي يا حسرتي!). وأخذ يتراكض بين الدواب ويتباكى كما لو كان في حيرة من أمره ولا يعرف ماذا يفعل.
عندما رأى الحراس المشهد هرعوا بطاساتهم نحوه وبدلا من أن يساعدوه راحوا يتلقفون الخمر المسكوب ويعبونه عباً. بداية أخذ الشاب يشتمهم ويتظاهر بالغضب. أخيراً تصنع الهدوء وشكرهم على محاولاتهم في وقف إراقة الخمر، فأعطى لكل منهم زقاً مكافأة له على مجهوده، ففرحوا بالهدية ودعوه لقضاء الأمسية والشرب معهم.
قبلَ الشاب دعوة الحراس وأغدق عليهم المزيد من الخمر فشربوا حتى انتشوا وغابوا عن الوعي وغطوا في سبات عميق. وما أن حل الظلام حتى أنزل الشاب جثمان شقيقه ووضعه في كيس وتوجه إلى بيته بعد أن قص لحى الحراس استخفافاً بهم.
عندما سمع الملك بما حدث استشاط غضبا (ولا نعرف ما حدث بعد ذلك لذوي اللحى المقصوصة.)
لكن بما أن الملك كان مصمّماً على اكتشاف هوية السارق، استنبط حيلة جديدة ، إذ طلب من ابنته أن تستقبل في مقصورتها كل من عنده رواية غريبة عجيبة يقصها عليها. وقال لها: "إن حدث وأتى ذلك اللص وأخبرك بما فعل فينبغي أن تمسكي به وتمنعيه من الهرب".
امتثلت البنت لأمر أبيها الملك. وما أن سمع اللص بالمخطط الملكي الجديد حتى صمم على إفشاله، فقام بقطع ذراع شخص ميت لم يتم دفنه بعد ووضعها تحت ردائه واتجه لمقابلة ابنة الملك.
عندما سألته الأميرة عن أغرب شيء فعله في حياته، أجابها:
"أغرب ما فعلته يا سيدتي هو أنني قطعت رأس شقيقي الذي وقع في فخ داخل خزينة الملك. وإن أذكى حيلة قمت بها هي أنني سقيت الحراس خمراً حتى سكروا وناموا فأخذت الجثمان من وسطهم وقطعت لحاهم دون أن يشعروا بذلك."
ما أن سمعت الأميرة قصته حتى حاولت الإمساك به فمد نحوها الذراع الميتة فأمسكت بها وهرب تاركاً الذراع بيد الأميرة التي كاد يطير عقلها من شدة الفزع.
عندما تناهت آخر الأنباء لجلالة الفرعون اشتعل فضولا لمعرفة هوية ذلك اللص الذي أقضّ مضجعه وسلبه لذة النوم.
أخيراً أصدر الفرعون أمراً ملكياً مؤداه أنه إن أفصح ذلك الجاني عن هويته فلن يشمله العفو الملكي وحسب بل سيحصل أيضاً على مكافأة سخية.
ما أن سمع اللص بهذا العفو حتى توجه إلى القصر فمثل أمام الملك وقد وثق بكلامه واعترف بأنه هو الجاني.
سُر الملك جداً لجرأة الرجل وقد أعجب بذكائه أيما إعجاب إذ اعتبره أذكى إنسان في مملكته فزوجه ابنته وأطلق يده في الخزينة دون رقيب أو حسيب بعد أن أصبح من أهل الدار!
رحامسينتينس صرف ردحاً من الزمن في جمع تلك الثروة العريضة الهائلة. وقد أمر أحد المهندسين المعماريين كي يقوم بتصميم مبنى حجري ضخم لحفظ ثروته يدعى (الخزنة). أحد جوانب الخزنة كان ملاصقاً للقصر الملكي بحيث كان الملك يستطيع الدخول إلى الخزنة مباشرة من إحدى غرف القصر.
لكن المهندس الذي استدعاه الفرعون للقيام بتلك المهمة كان لصاً ذكياً بحيث صمم أحد الأحجار في أحد المداميك السفلى للجدار الخارجي بكيفية يمكن معها لرجلين اثنين أو لرجل واحد قوي سحب الحجر من مكانه والدخول إلى خزينة الملك العامرة.
وما أن اكتمل بناء الخزنة حتى وضع الملك كل ذهبه فيها على أساس أنها مكان آمن مأمون من الأيدي والعيون.
وعندما شعر المهندس بدنو أجله استدعى ولديه الإثنين وأبلغهما أن مستقبلهما الذهبي مضمون بفعل حيلته وفضل خزينة الملك، وأخبرهما عن موضع الحجر السري وأبعاده وكيفية معالجته بغية الدخول إلى الخزنة. وقال لهما إن أنتما راعيتما الحيطة والحذر فسيكون لكما نصيب وافر في ثروة صاحب الجلالة.
بعد وفاة والدهما، وعملا ً بنصيحته انطلق الأخوان ليلا باتجاه القصر فوجدا الحجر تماماً بحسب المواصفات التي ذكرها لهما، فتمكنا من نزعه من مكانه بسهولة ودخلا الخزنة وعادا سالمين غانمين بعد أن أعادا الحجر إلى موضعه.
في اليوم التالي، عندما دخل الملك إلى الخزنة لاحظ نقصاً في الذهب الموضوع في الأواني الفخارية. وبما أنه لم يشك بأحد ولم يرَ منفذا واحدا يشي بدخول اللصوص، وبما أن للخزنة مفتاحاً واحداً هو بيده، فقد ازدادت حيرته و(لعب الفأر في عبه.)
اللصان واصلا زياراتهما للخزنة واستمر تناقص الذهب الذي كان الملك يرصده يوما بعد يوم، فلم يعرف سر ذلك واحتار في أمره. أخيراً قرر أن يضع مصائدَ حول حاويات الذهب لعل وعسى!
كالمعتاد تابع الأخوان غزواتهما الليلية، ولكن في هذه المرة ما أن اقترب أحدهما من إحدى الجرار حتى صادته المصيدة التي لم يكن بالإمكان الفكاك منها. فنادى أخاه وطلب منه على الفور أن يقطع رأسه للتغطية على الجريمة وللحفاظ على حياة شقيقه.
راقت الفكرة لشقيقه بالرغم من هولها. وبعد أن تغلب على عواطفه، قطع رأس أخيه وخرج من الطاقة ثم وضع الحجر مكانه وعاد إلى بيته يحمل الرأس بعد أن ترك الجثة داخل الخزنة.
ومع طلوع الفجر دخل الملك إلى الخزنة فوجد جثة لإنسان دون رأس. وكالمعتاد لم يعثر على دليل يوحي بدخول أحد إلى الخزنة أو خروجه منها، فكاد يفقد عقله من شدة الذهول.
مع ذلك صمم على حل هذا اللغز العجيب فأمر بتعليق الجثة على الحائط الخارجي للقصر وطلب من الحراس أن يتفرسوا في وجوه المارة وأن يلقوا القبض على من تبدو عليه آثار الحزن والانفعال لدى رؤية الجثة المقطوعة الرأس.
وكانت أم ذلك الشاب (المقطوع الرأس) قد عرفت بمصيبته فراحت تلح وتلحف على شقيقه كي يفعل ما بوسعه لاسترجاع الجثة ودفنها دفناً لائقا. ومع تلكؤ ولدها في تلبية رغبتها هددته بأنه إن هو لم يفعل ما طلبته منه ستذهب بنفسها إلى الملك وتخبره بالقصة.
حاول الابن الاعتذار وتبرير عجزه لكن أمه لم تقبل له عذرا. أخيراً تفتقت له حيلة فأحضر عدة أزقاق (مصنوعة من الجلد) وملأها بالخمر ووضعها على ظهور الدواب وساقها إلى حيث الجثة والحراس.
وما أن اقترب من الحراس حتى نزع رباط زقين أو ثلاثة، ومع تدفق الخمر راح يضرب رأسه ويولول ويقول ما معناه (راح الخمر يا ناس. يا خسارتي يا حسرتي!). وأخذ يتراكض بين الدواب ويتباكى كما لو كان في حيرة من أمره ولا يعرف ماذا يفعل.
عندما رأى الحراس المشهد هرعوا بطاساتهم نحوه وبدلا من أن يساعدوه راحوا يتلقفون الخمر المسكوب ويعبونه عباً. بداية أخذ الشاب يشتمهم ويتظاهر بالغضب. أخيراً تصنع الهدوء وشكرهم على محاولاتهم في وقف إراقة الخمر، فأعطى لكل منهم زقاً مكافأة له على مجهوده، ففرحوا بالهدية ودعوه لقضاء الأمسية والشرب معهم.
قبلَ الشاب دعوة الحراس وأغدق عليهم المزيد من الخمر فشربوا حتى انتشوا وغابوا عن الوعي وغطوا في سبات عميق. وما أن حل الظلام حتى أنزل الشاب جثمان شقيقه ووضعه في كيس وتوجه إلى بيته بعد أن قص لحى الحراس استخفافاً بهم.
عندما سمع الملك بما حدث استشاط غضبا (ولا نعرف ما حدث بعد ذلك لذوي اللحى المقصوصة.)
لكن بما أن الملك كان مصمّماً على اكتشاف هوية السارق، استنبط حيلة جديدة ، إذ طلب من ابنته أن تستقبل في مقصورتها كل من عنده رواية غريبة عجيبة يقصها عليها. وقال لها: "إن حدث وأتى ذلك اللص وأخبرك بما فعل فينبغي أن تمسكي به وتمنعيه من الهرب".
امتثلت البنت لأمر أبيها الملك. وما أن سمع اللص بالمخطط الملكي الجديد حتى صمم على إفشاله، فقام بقطع ذراع شخص ميت لم يتم دفنه بعد ووضعها تحت ردائه واتجه لمقابلة ابنة الملك.
عندما سألته الأميرة عن أغرب شيء فعله في حياته، أجابها:
"أغرب ما فعلته يا سيدتي هو أنني قطعت رأس شقيقي الذي وقع في فخ داخل خزينة الملك. وإن أذكى حيلة قمت بها هي أنني سقيت الحراس خمراً حتى سكروا وناموا فأخذت الجثمان من وسطهم وقطعت لحاهم دون أن يشعروا بذلك."
ما أن سمعت الأميرة قصته حتى حاولت الإمساك به فمد نحوها الذراع الميتة فأمسكت بها وهرب تاركاً الذراع بيد الأميرة التي كاد يطير عقلها من شدة الفزع.
عندما تناهت آخر الأنباء لجلالة الفرعون اشتعل فضولا لمعرفة هوية ذلك اللص الذي أقضّ مضجعه وسلبه لذة النوم.
أخيراً أصدر الفرعون أمراً ملكياً مؤداه أنه إن أفصح ذلك الجاني عن هويته فلن يشمله العفو الملكي وحسب بل سيحصل أيضاً على مكافأة سخية.
ما أن سمع اللص بهذا العفو حتى توجه إلى القصر فمثل أمام الملك وقد وثق بكلامه واعترف بأنه هو الجاني.
سُر الملك جداً لجرأة الرجل وقد أعجب بذكائه أيما إعجاب إذ اعتبره أذكى إنسان في مملكته فزوجه ابنته وأطلق يده في الخزينة دون رقيب أو حسيب بعد أن أصبح من أهل الدار!