بقلم فاروق جويدة
هناك ظاهرة غريبة توقفت عندها فى الأيام الأخيرة نستطيع أن نطلق
عليها
جرائم النخبة.. أو جرائم الصفوة..
كل الأخبار المهمة فى صفحة الحوادث فى جميع الجرائد تتعلق بهذه
النخبة..
المفروض أن تتصدر أخبار مجلس الشعب صفحات السياسة والفكر
والرأى وقضايا المواطنين ولكنها هذه الأيام تأخذ المساحات الأكبر فى
صفحات الحوادث
أمام فضيحة العلاج على نفقة الدولة وإحالة 14 عضوا من
أعضاء المجلس إلى النيابة بعد رفع الحصانة عنهم..
المفروض أن أخبار الثقافة يجب أن تتصدر صفحات الثقافة ولكنها
انتقلت إلى صفحة الحوادث مع سرقة لوحة زهرة الخشخاش من
متحف محمود خليل.. جرائم أخرى أصبحت حديث الناس وأخذت
مكانها فى المحاكم وملفات النيابة..
لا شك أن الظاهرة غريبة ولكنها ليست جديدة وإن كانت قد زادت
وتوسعت فى السنوات الأخيرة بحيث أصبحت شيئا عاديا فى حياة
الناس.. وسوف أتوقف قليلا عند الحوادث التى تؤكد انتشار هذه
الظاهرة..
● بعد مداولات كثيرة ومحاولات للهروب اضطر حزب الأغلبية
«الحزب الوطنى» أن يتخذ قرارا مؤلما بإحالة 14 عضوا من أعضاء
مجلس الشعب أغلبهم من الحزب الحاكم إلى النائب العام المستشار
عبدالمجيد محمود الذى طلب رفع الحصانة عنهم.. وخلال أيام قليلة
قرر د.فتحى سرور رئيس المجلس رفع الحصانة عنهم مع التأكيد أن
المجلس لا يحمى فاسدا.. على جانب آخر أعلن السيد صفوت الشريف
أمين الحزب الوطنى أن أى عضو يدان لن يتم ترشيحه فى قوائم
الحزب الوطنى فى الانتخابات البرلمانية المقبلة..
كانت قصة نواب العلاج على نفقة الدولة قد تصاعدت بعد أن تكشفت
حقائق كثيرة حول تورط 14 عضوا فى قرارات تزوير أوراق رسمية
والحصول على أموال بدون وجه حق وقدرت وزارة الصحة الأموال
التى ضاعت على الدولة فى هذه الكارثة بأكثر من مليار و500 مليون
جنيه حصل عليها عدد قليل من أعضاء مجلس الشعب الذين تم رفع
الحصانة عنهم..!!!
فى تحقيقات النيابة اتضح أن هناك تجاوزات خطيرة وأموالا تدفقت
تحت بند العلاج على نفقة الدولة إلى المستشفيات الخاصة، كما أن
هناك مبالغ ضخمة تم صرفها مقابل شراء أدوية من الصيدليات
الخاصة وهناك عدد من المستشفيات الخاصة تورطت فى هذه
المأساة.. هذه الأزمة كانت سببا فى حالة ارتباك شديدة داخل صفوف
حزب الأغلبية وفيها أيضا نواب من جماعة الإخوان المسلمين
والأحزاب الأخرى..
إن المفارقة هنا أن أخبار المجالس النيابة والبرلمانات وأعضاء
مجلس الشعب تتصدر عادة صفحات السياسة كنشاط سياسى وحزبى
ولكنها للأسف الشديد تسللت لتأخذ مكانها فى صفحات الحوادث ولا
أحد يعلم ماذا تحمله الأخبار والأحداث فى الأسابيع المقبلة، خاصة أن
حزب الأغلبية يحاول أن ينجو ببدنه فى هذه الكارثة، ولهذا ألقى بقرار
النائب العام إلى رئيس مجلس الشعب وهو بدوره تبرأ من الجريمة
وتركها كاملة للنيابة تحقق فيها.. هذه واحدة من جرائم النخبة أعضاء
مجلس الشعب الذين اختارهم الشعب ليدافعوا عن حقوقه لا أن يعتدوا
على هذه الحقوق بالحق والباطل.. إن المواطن المصرى الذى يقرأ
صفحة الحوادث الآن يتساءل كيف تحول حماة العدالة فى مجلس
الشعب إلى متهمين ومدانين ومعتدين على أموال هذا الشعب؟.. إنها
من مآسى وخطايا النخبة، بقى فصل آخر فى هذه القضية لم يعلن عنه
حتى الآن وهو تورط بعض كبار المسئولين فى الدولة فى نفقات علاج
للتجميل وزرع الأسنان وحمامات الأوزون..
< من أخطر الحوادث أيضا فى هذه القصة ما حدث فى متحف محمود
خليل الذى يضم 300 لوحة لا تقدر بثمن وهى جزء عزيز من تراث
مصر الفنى.. فجأة اختفت أشهر لوحة فى هذا المتحف وهى زهرة
الخشخاش للفنان العالمى فان جوخ.. اللوحة بمقاييس الشهرة
العالمية
هى أشهر أعمال فان جوخ.. ومن حيث القيمة الفنية هى واحدة من
أبرز أعماله.. ومن حيث القيمة المادية هى تقدر بأكثر من 55 مليون
دولار (أى نحو 300 مليون جنيه)،
تبادل وزير الثقافة الاتهامات مع مساعديه كما هى العادة منذ سنوات
وأشارت أصابع الاتهام إلى الفنان
محسن شعلان المسئول عن قطاع الفن التشكيلى فى وزارة الثقافة
ومعه 10 من المسئولين فى المتحف ورجال الأمن.. إحالة هؤلاء
المتهمين إلى المحاكمة لا تسقط المسئولية الأدبية والمعنوية عن
وزير الثقافة حتى وان لم يشمله قرار الاتهام..
وبدلا من أن تضىء لوحة فان جوخ على صفحات الجرائد وشاشات
التليفزيون تحولت إلى جريمة غامضة وبرواز خالٍ ومحاولة للبحث
عن بصمات الجانى والحقيقة أن وزارة الثقافة فتحت سجلا طويلا مع
الجرائم وصفحات الحوادث فى السنوات الأخيرة ابتداء بأحكام السجن
على عدد لا بأس به من أقرب المقربين إلى وزير الثقافة ومن بينهم
سكرتيره الصحفى وأحد كبار مساعديه مرورا باحتراق المسافرخانة
والمسرح القومى.. وكارثة بنى سويف التى ضاع فيها العشرات من
شباب الفنانين..
انتقال أخبار وزارة الثقافة إلى صفحات الحوادث لم يكن أمرا جديدا
ولكن الجديد هذه المرة أن يتم استدعاء وزير الثقافة أمام النيابة لكى
يدلى بأقواله فى هذه القضية.. المفروض أن وزارة الفكر.. والإبداع
والاستنارة تجد أماكن لها فى قلوب الناس وعقولهم وأن توجد خلف
قواعد الفكر والرأى لا أمام جهات التحقيق فى جرائم إهمال ونهب
وسرقة وتحايل على المال العام.. سقط العشرات من الأشخاص فى هذه
الجرائم وبقى الوزير الفنان يقدم كل يوم أحد القرابين من مساعديه
وأعوانه أمام العدالة..
هذه أيضا تعتبر من جرائم النخبة لأن المتهمين فيها من المبدعين
وأصحاب الفكر الذين سقطوا ضحايا لاختيارات خاطئة أو جرائم شجع
عليها المثل الذى يقول «المال السايب يعلم السرقة»، وما أكثر
الأموال السائبة فى دهاليز وزارة الثقافة التى تدفع الملايين
للمهرجانات ولا تدفع قروشا لإصلاح أجهزة الإنذار والمراقبة فى واحد
من أهم متاحفنا.. صورة تدعو للألم والحزن أن يكون هذا هو وجه
مصر الثقافى فنان مبدع خلف القضبان.. ولوحة مسروقة.. وبرواز
فارغ.. وقصة تتناولها وسائل الإعلام العالمية.. ووزير فوق الحساب
يقدم كل يوم واحدا من ضحاياه الذين يقدمهم الواحد تلو الآخر لكى
يبقى على الكرسى.
● واحدة من أكبر شركات المقاولات فى العالم وتتمتع بسمعة سيئة
للغاية منذ دخلت مجالات البحث عن البترول وهى شركة هاليبرتون
الأمريكية.. لهذه الشركة قصص طويلة من النصب والتحايل منذ كان
ديك تشينى رئيسا لها.. هذه الشركة قامت بتنفيذ مشروعات وهمية
كثيرة فى العراق وشاركت فى كل المجالات ابتداء بنهب البترول
العراقى وانتهاء بتوريد أغذية فاسدة للقوات الأمريكية وقد أدينت فى
أكثر من قضية أمام القضاء الأمريكى.
كان ديك تشينى وزير دفاع أمريكا فى حرب الخليج وقد أصبح رئيسا
لهذه الشركة بعد أن ترك منصبه وقد فتح لها أبوابا كثيرة لأنشطة
بترولية فى دول الخليج بعد تحرير العراق وحصل على أكثر من 50
مليون دولار عمولات من وراء هذه الأنشطة وعندما دخلت القوات
الأمريكية العراق تولت تنفيذ عدد كبير من المشروعات وتكشفت
فضائح كثيرة فى عدد من المناقصات التى أسندها ديك تشينى لهذه
الشركة بلغت أكثر من أربعة بلايين دولار، كان ذلك كله بفضل نائب
الرئيس بوش الذى جمع ثروة طائلة من وراء هذه الشركة.. وأمام
فضائحها المتتالية هبطت أسعار أسهمها فى البورصة الأمريكية
وخسرت 75% من قيمة السهم وثار أصحاب الأسهم ضد إدارة
الشركة وأصبحت فضائحها على كل لسان..
هذه الشركة المشبوهة تسللت إلى أجمل محافظات مصر وهى محافظة
مطروح لتقيم فى أجمل منطقة سكنية فيها، وعند الكيلو 9، مركزا
دوليا للعاملين فى مجال البترول يقوم بتدريب العاملين فى شركات
البترول فى العالم العربى.. وقامت الشركة الأمريكية بشراء 16800
متر أى أربعة أفدنة لتقيم عليها منشآت هذا المركز التدريبى وهى
عبارة عن مبنى للإقامة وآخر للخدمات وآخر للإدارة ومحطة مياه
وفى آخر قائمة المنشآت بند صغير هو مخزن للمواد المشعة على
مساحة 169 مترا.. كان سعر متر الأرض 40 جنيها تم تقسيمها على
سبعة أقساط سنوية..
كان أخطر ما جاء فى هذا التعاقد أنه أعطى الحق للشركة لعمل بيارات
لتخزين المواد المشعة على أعماق مختلفة تتراوح بين 250 مترا
و1400 متر تحت الأرض.. هذا الاتفاق المريب يعود بنا إلى قضية
قديمة كانت مثار جدل وخلاف فى عهد الرئيس الراحل أنور السادات
حول دفن نفايات نووية فى مصر فى ذلك الوقت.. والآن تعود الشركة
الأمريكية المشبوهة لتفتح هذا الملف من جديد.. هنا نضع بعض
الملاحظات..
أولا : لماذا تقيم الشركة مركزا للتدريب ملحقا به مخزن للمواد
المشعة وما علاقة التدريب فى مجالات البترول بالمواد المشعة؟.. إن
خبراء البترول المصريين يؤكدون أن عمليات التنقيب عن البترول لا
علاقة لها بالمواد المشعة من قريب أو بعيد خاصة إذا لم تكن عمليات
الحفر فى مناطق يوجد بها اليورانيوم، وهذا ينطبق على مصر فليس
فى هذه المنطقة أى آثار لليورانيوم فما الذى يجعل الشركة تقيم مخزنا
لتخزين المواد المشعة؟.
ثانيا : إن الشركة لم تحصل على موافقة بإقامة هذا المخزن من
الوزارات المختصة وهى وزارة الصحة خاصة أن القانون المصرى
يحظر دفن أو نقل النفايات المشعة داخل الأراضى المصرية ويعاقب
بالحبس من تورط فى ذلك بالسجن من 5 إلى 20 عاما وغرامة مالية
تصل إلى عشرة ملايين جنيه..
ثالثا : كان من المقرر أن يقام هذا المركز التدريبى عند الكيلو 26
ولكن المحافظ السابق قرر نقله إلى قلب الكتلة السكانية فى الكيلو 9..
فما هى أسباب ذلك؟ وعلى أى أساس قرر المحافظ ذلك وهل حصل
على موافقة الجهات المختصة ليقيم مخزنا للمواد المشعة فى قلب
المدينة السياحية؟ وأين المسئولون فى وزارة البيئة والصحة والطاقة
النووية؟..
هذه القصة الغريبة تناقلتها الصحف فى الأيام الماضية وفيها مجموعة
من العناصر المتناقضة.. شركة أمريكية سيئة السمعة.. محافظة
سياحية من أجمل شواطىء مصر.. مركز للتدريب للعاملين فى مجال
البترول.. مخزن سرى لتخزين المواد المشعة على أعماق تصل إلى
أكثر من كيلو ونصف الكيلو فى أعماق الأرض.. الخبراء يؤكدون أن
هذه المواد المشعة مهما كانت ضئيلة ونحن لا نعرف إذا كانت ضيئلة
أو كبيرة تتسرب إلى المياه الجوفية وتحمل أمراضا خطيرة للمواطنين
وتكون مصدر تلوث خطيرا فى حالات الزلازل، كما أنها تضر
بالمحاصيل الزراعية التى تروى من المياه الجوفية فى هذه المناطق..
هذه القصة تؤكد حالة الانفصام التى تعيشها مصر.. محافظون يوقعون
على اتفاقيات دولية مع شركات مشبوهة وسيئة السمعة دون الرجوع
إلى أحد وكأنهم يتصرفون فى ممتلكاتهم الخاصة رغم كل ما تحمله
هذه الاتفاقيات من مخاطر على حياة المواطنين..
إن تخزين المواد المشعة واحد من أخطر القضايا بين دول العالم
المتقدم والدول الفقيرة التى تقبل تخزين النفايات فى أراضيها.. وهناك
قصص كثيرة فى دول فقيرة عن حكام باعوا أنفسهم وأوطانهم
للشيطان وحولوا أجزاء من بلادهم إلى مدافن للنفايات النووية.. من
يحاكم المسئولين عن صفقة مخازن المواد المشعة فى مطروح؟ وأين
رئيس الوزراء وأين الوزراء المختصون؟ وهل تم بالفعل استخدام هذه
المخازن؟..
هذه أيضا واحدة من جرائم النخبة.. إنها جريمة من النوع الغامض
الذى يتم فى الظلام الدامس حيث لا ضمير ولا انتماء.. أوراق صغيرة
يتم توقيعها ومبالغ هزيلة من المال.. وجريمة تاريخية لا تغتفر تسمى
دفن النفايات المشعة.. والنتيجة آلاف الضحايا وخراب يلحق بكل شىء
بالماء والزرع والهواء.. إنها جرائم النخبة..
على الوجه الآخر كانت هناك قصص وحكايات حول اغتصاب الأرض
وقد أفاقت الحكومة بعد أن خربت مالطة كما يقولون.. أفاقت على قرار
من الرئيس مبارك بوضع أسس جديدة للتصرف فى أراضى الدولة
على أساس حق الانتفاع.. واحتار المسئولون أمام مساحات ضخمة تم
اغتصابها.. وأمام مساحات أخرى تحولت إلى منتجعات.. أو مساحات
أكبر تم تخصيصها وبيعها.. هناك قائمة ثابتة ببعض رجال الأعمال
الذين حصلوا على مساحات رهيبة من الاراضى فى كل أرجاء مصر:
على الطريق الصحراوى وفى شرق التفريعة والعين السخنة والغردقة
وشرم الشيخ والواحات وتوشكى وطابا ومرسى علم.. الأسماء هى
نفس الأسماء والعناوين هى نفس العناوين، أفاقت حكوماتنا الرشيدة
على هذه القائمة الطويلة من أراضى مصر التى تم تخصيصها لعدد
من الأسماء وبدأت تكهنات كثيرة حول المستقبل.. هل هى مجرد
صحوة سيعود كل شىء بعدها إلى ما كان عليه.. وإذا كان الحديث عن
المستقبل فماذا عن الماضى؟..
هى أيضا جرائم النخبة التى تسللت فى غفلة من بسطاء هذا الشعب
وحصلت على كل شىء.. الأرض والمصانع وأموال البنوك.. وبقى
غالبية الناس البسطاء الذين تقدرهم بعض الأرقام بأنهم 40% من
سكان مصر تحت خط الفقر.. هؤلاء لهم جرائم مختلفة ولكن الجريمة
الأكبر أننا تركناهم جائعين فى منتجعات الخنازير والدويقة ومنشية
ناصر والبساتين ومقابر الغفير وقلعة الكبش.. ولا أحد يعلم متى نرى
صورهم فى صفحات الحوادث مع رموز النخبة
هناك ظاهرة غريبة توقفت عندها فى الأيام الأخيرة نستطيع أن نطلق
عليها
جرائم النخبة.. أو جرائم الصفوة..
كل الأخبار المهمة فى صفحة الحوادث فى جميع الجرائد تتعلق بهذه
النخبة..
المفروض أن تتصدر أخبار مجلس الشعب صفحات السياسة والفكر
والرأى وقضايا المواطنين ولكنها هذه الأيام تأخذ المساحات الأكبر فى
صفحات الحوادث
أمام فضيحة العلاج على نفقة الدولة وإحالة 14 عضوا من
أعضاء المجلس إلى النيابة بعد رفع الحصانة عنهم..
المفروض أن أخبار الثقافة يجب أن تتصدر صفحات الثقافة ولكنها
انتقلت إلى صفحة الحوادث مع سرقة لوحة زهرة الخشخاش من
متحف محمود خليل.. جرائم أخرى أصبحت حديث الناس وأخذت
مكانها فى المحاكم وملفات النيابة..
لا شك أن الظاهرة غريبة ولكنها ليست جديدة وإن كانت قد زادت
وتوسعت فى السنوات الأخيرة بحيث أصبحت شيئا عاديا فى حياة
الناس.. وسوف أتوقف قليلا عند الحوادث التى تؤكد انتشار هذه
الظاهرة..
● بعد مداولات كثيرة ومحاولات للهروب اضطر حزب الأغلبية
«الحزب الوطنى» أن يتخذ قرارا مؤلما بإحالة 14 عضوا من أعضاء
مجلس الشعب أغلبهم من الحزب الحاكم إلى النائب العام المستشار
عبدالمجيد محمود الذى طلب رفع الحصانة عنهم.. وخلال أيام قليلة
قرر د.فتحى سرور رئيس المجلس رفع الحصانة عنهم مع التأكيد أن
المجلس لا يحمى فاسدا.. على جانب آخر أعلن السيد صفوت الشريف
أمين الحزب الوطنى أن أى عضو يدان لن يتم ترشيحه فى قوائم
الحزب الوطنى فى الانتخابات البرلمانية المقبلة..
كانت قصة نواب العلاج على نفقة الدولة قد تصاعدت بعد أن تكشفت
حقائق كثيرة حول تورط 14 عضوا فى قرارات تزوير أوراق رسمية
والحصول على أموال بدون وجه حق وقدرت وزارة الصحة الأموال
التى ضاعت على الدولة فى هذه الكارثة بأكثر من مليار و500 مليون
جنيه حصل عليها عدد قليل من أعضاء مجلس الشعب الذين تم رفع
الحصانة عنهم..!!!
فى تحقيقات النيابة اتضح أن هناك تجاوزات خطيرة وأموالا تدفقت
تحت بند العلاج على نفقة الدولة إلى المستشفيات الخاصة، كما أن
هناك مبالغ ضخمة تم صرفها مقابل شراء أدوية من الصيدليات
الخاصة وهناك عدد من المستشفيات الخاصة تورطت فى هذه
المأساة.. هذه الأزمة كانت سببا فى حالة ارتباك شديدة داخل صفوف
حزب الأغلبية وفيها أيضا نواب من جماعة الإخوان المسلمين
والأحزاب الأخرى..
إن المفارقة هنا أن أخبار المجالس النيابة والبرلمانات وأعضاء
مجلس الشعب تتصدر عادة صفحات السياسة كنشاط سياسى وحزبى
ولكنها للأسف الشديد تسللت لتأخذ مكانها فى صفحات الحوادث ولا
أحد يعلم ماذا تحمله الأخبار والأحداث فى الأسابيع المقبلة، خاصة أن
حزب الأغلبية يحاول أن ينجو ببدنه فى هذه الكارثة، ولهذا ألقى بقرار
النائب العام إلى رئيس مجلس الشعب وهو بدوره تبرأ من الجريمة
وتركها كاملة للنيابة تحقق فيها.. هذه واحدة من جرائم النخبة أعضاء
مجلس الشعب الذين اختارهم الشعب ليدافعوا عن حقوقه لا أن يعتدوا
على هذه الحقوق بالحق والباطل.. إن المواطن المصرى الذى يقرأ
صفحة الحوادث الآن يتساءل كيف تحول حماة العدالة فى مجلس
الشعب إلى متهمين ومدانين ومعتدين على أموال هذا الشعب؟.. إنها
من مآسى وخطايا النخبة، بقى فصل آخر فى هذه القضية لم يعلن عنه
حتى الآن وهو تورط بعض كبار المسئولين فى الدولة فى نفقات علاج
للتجميل وزرع الأسنان وحمامات الأوزون..
< من أخطر الحوادث أيضا فى هذه القصة ما حدث فى متحف محمود
خليل الذى يضم 300 لوحة لا تقدر بثمن وهى جزء عزيز من تراث
مصر الفنى.. فجأة اختفت أشهر لوحة فى هذا المتحف وهى زهرة
الخشخاش للفنان العالمى فان جوخ.. اللوحة بمقاييس الشهرة
العالمية
هى أشهر أعمال فان جوخ.. ومن حيث القيمة الفنية هى واحدة من
أبرز أعماله.. ومن حيث القيمة المادية هى تقدر بأكثر من 55 مليون
دولار (أى نحو 300 مليون جنيه)،
تبادل وزير الثقافة الاتهامات مع مساعديه كما هى العادة منذ سنوات
وأشارت أصابع الاتهام إلى الفنان
محسن شعلان المسئول عن قطاع الفن التشكيلى فى وزارة الثقافة
ومعه 10 من المسئولين فى المتحف ورجال الأمن.. إحالة هؤلاء
المتهمين إلى المحاكمة لا تسقط المسئولية الأدبية والمعنوية عن
وزير الثقافة حتى وان لم يشمله قرار الاتهام..
وبدلا من أن تضىء لوحة فان جوخ على صفحات الجرائد وشاشات
التليفزيون تحولت إلى جريمة غامضة وبرواز خالٍ ومحاولة للبحث
عن بصمات الجانى والحقيقة أن وزارة الثقافة فتحت سجلا طويلا مع
الجرائم وصفحات الحوادث فى السنوات الأخيرة ابتداء بأحكام السجن
على عدد لا بأس به من أقرب المقربين إلى وزير الثقافة ومن بينهم
سكرتيره الصحفى وأحد كبار مساعديه مرورا باحتراق المسافرخانة
والمسرح القومى.. وكارثة بنى سويف التى ضاع فيها العشرات من
شباب الفنانين..
انتقال أخبار وزارة الثقافة إلى صفحات الحوادث لم يكن أمرا جديدا
ولكن الجديد هذه المرة أن يتم استدعاء وزير الثقافة أمام النيابة لكى
يدلى بأقواله فى هذه القضية.. المفروض أن وزارة الفكر.. والإبداع
والاستنارة تجد أماكن لها فى قلوب الناس وعقولهم وأن توجد خلف
قواعد الفكر والرأى لا أمام جهات التحقيق فى جرائم إهمال ونهب
وسرقة وتحايل على المال العام.. سقط العشرات من الأشخاص فى هذه
الجرائم وبقى الوزير الفنان يقدم كل يوم أحد القرابين من مساعديه
وأعوانه أمام العدالة..
هذه أيضا تعتبر من جرائم النخبة لأن المتهمين فيها من المبدعين
وأصحاب الفكر الذين سقطوا ضحايا لاختيارات خاطئة أو جرائم شجع
عليها المثل الذى يقول «المال السايب يعلم السرقة»، وما أكثر
الأموال السائبة فى دهاليز وزارة الثقافة التى تدفع الملايين
للمهرجانات ولا تدفع قروشا لإصلاح أجهزة الإنذار والمراقبة فى واحد
من أهم متاحفنا.. صورة تدعو للألم والحزن أن يكون هذا هو وجه
مصر الثقافى فنان مبدع خلف القضبان.. ولوحة مسروقة.. وبرواز
فارغ.. وقصة تتناولها وسائل الإعلام العالمية.. ووزير فوق الحساب
يقدم كل يوم واحدا من ضحاياه الذين يقدمهم الواحد تلو الآخر لكى
يبقى على الكرسى.
● واحدة من أكبر شركات المقاولات فى العالم وتتمتع بسمعة سيئة
للغاية منذ دخلت مجالات البحث عن البترول وهى شركة هاليبرتون
الأمريكية.. لهذه الشركة قصص طويلة من النصب والتحايل منذ كان
ديك تشينى رئيسا لها.. هذه الشركة قامت بتنفيذ مشروعات وهمية
كثيرة فى العراق وشاركت فى كل المجالات ابتداء بنهب البترول
العراقى وانتهاء بتوريد أغذية فاسدة للقوات الأمريكية وقد أدينت فى
أكثر من قضية أمام القضاء الأمريكى.
كان ديك تشينى وزير دفاع أمريكا فى حرب الخليج وقد أصبح رئيسا
لهذه الشركة بعد أن ترك منصبه وقد فتح لها أبوابا كثيرة لأنشطة
بترولية فى دول الخليج بعد تحرير العراق وحصل على أكثر من 50
مليون دولار عمولات من وراء هذه الأنشطة وعندما دخلت القوات
الأمريكية العراق تولت تنفيذ عدد كبير من المشروعات وتكشفت
فضائح كثيرة فى عدد من المناقصات التى أسندها ديك تشينى لهذه
الشركة بلغت أكثر من أربعة بلايين دولار، كان ذلك كله بفضل نائب
الرئيس بوش الذى جمع ثروة طائلة من وراء هذه الشركة.. وأمام
فضائحها المتتالية هبطت أسعار أسهمها فى البورصة الأمريكية
وخسرت 75% من قيمة السهم وثار أصحاب الأسهم ضد إدارة
الشركة وأصبحت فضائحها على كل لسان..
هذه الشركة المشبوهة تسللت إلى أجمل محافظات مصر وهى محافظة
مطروح لتقيم فى أجمل منطقة سكنية فيها، وعند الكيلو 9، مركزا
دوليا للعاملين فى مجال البترول يقوم بتدريب العاملين فى شركات
البترول فى العالم العربى.. وقامت الشركة الأمريكية بشراء 16800
متر أى أربعة أفدنة لتقيم عليها منشآت هذا المركز التدريبى وهى
عبارة عن مبنى للإقامة وآخر للخدمات وآخر للإدارة ومحطة مياه
وفى آخر قائمة المنشآت بند صغير هو مخزن للمواد المشعة على
مساحة 169 مترا.. كان سعر متر الأرض 40 جنيها تم تقسيمها على
سبعة أقساط سنوية..
كان أخطر ما جاء فى هذا التعاقد أنه أعطى الحق للشركة لعمل بيارات
لتخزين المواد المشعة على أعماق مختلفة تتراوح بين 250 مترا
و1400 متر تحت الأرض.. هذا الاتفاق المريب يعود بنا إلى قضية
قديمة كانت مثار جدل وخلاف فى عهد الرئيس الراحل أنور السادات
حول دفن نفايات نووية فى مصر فى ذلك الوقت.. والآن تعود الشركة
الأمريكية المشبوهة لتفتح هذا الملف من جديد.. هنا نضع بعض
الملاحظات..
أولا : لماذا تقيم الشركة مركزا للتدريب ملحقا به مخزن للمواد
المشعة وما علاقة التدريب فى مجالات البترول بالمواد المشعة؟.. إن
خبراء البترول المصريين يؤكدون أن عمليات التنقيب عن البترول لا
علاقة لها بالمواد المشعة من قريب أو بعيد خاصة إذا لم تكن عمليات
الحفر فى مناطق يوجد بها اليورانيوم، وهذا ينطبق على مصر فليس
فى هذه المنطقة أى آثار لليورانيوم فما الذى يجعل الشركة تقيم مخزنا
لتخزين المواد المشعة؟.
ثانيا : إن الشركة لم تحصل على موافقة بإقامة هذا المخزن من
الوزارات المختصة وهى وزارة الصحة خاصة أن القانون المصرى
يحظر دفن أو نقل النفايات المشعة داخل الأراضى المصرية ويعاقب
بالحبس من تورط فى ذلك بالسجن من 5 إلى 20 عاما وغرامة مالية
تصل إلى عشرة ملايين جنيه..
ثالثا : كان من المقرر أن يقام هذا المركز التدريبى عند الكيلو 26
ولكن المحافظ السابق قرر نقله إلى قلب الكتلة السكانية فى الكيلو 9..
فما هى أسباب ذلك؟ وعلى أى أساس قرر المحافظ ذلك وهل حصل
على موافقة الجهات المختصة ليقيم مخزنا للمواد المشعة فى قلب
المدينة السياحية؟ وأين المسئولون فى وزارة البيئة والصحة والطاقة
النووية؟..
هذه القصة الغريبة تناقلتها الصحف فى الأيام الماضية وفيها مجموعة
من العناصر المتناقضة.. شركة أمريكية سيئة السمعة.. محافظة
سياحية من أجمل شواطىء مصر.. مركز للتدريب للعاملين فى مجال
البترول.. مخزن سرى لتخزين المواد المشعة على أعماق تصل إلى
أكثر من كيلو ونصف الكيلو فى أعماق الأرض.. الخبراء يؤكدون أن
هذه المواد المشعة مهما كانت ضئيلة ونحن لا نعرف إذا كانت ضيئلة
أو كبيرة تتسرب إلى المياه الجوفية وتحمل أمراضا خطيرة للمواطنين
وتكون مصدر تلوث خطيرا فى حالات الزلازل، كما أنها تضر
بالمحاصيل الزراعية التى تروى من المياه الجوفية فى هذه المناطق..
هذه القصة تؤكد حالة الانفصام التى تعيشها مصر.. محافظون يوقعون
على اتفاقيات دولية مع شركات مشبوهة وسيئة السمعة دون الرجوع
إلى أحد وكأنهم يتصرفون فى ممتلكاتهم الخاصة رغم كل ما تحمله
هذه الاتفاقيات من مخاطر على حياة المواطنين..
إن تخزين المواد المشعة واحد من أخطر القضايا بين دول العالم
المتقدم والدول الفقيرة التى تقبل تخزين النفايات فى أراضيها.. وهناك
قصص كثيرة فى دول فقيرة عن حكام باعوا أنفسهم وأوطانهم
للشيطان وحولوا أجزاء من بلادهم إلى مدافن للنفايات النووية.. من
يحاكم المسئولين عن صفقة مخازن المواد المشعة فى مطروح؟ وأين
رئيس الوزراء وأين الوزراء المختصون؟ وهل تم بالفعل استخدام هذه
المخازن؟..
هذه أيضا واحدة من جرائم النخبة.. إنها جريمة من النوع الغامض
الذى يتم فى الظلام الدامس حيث لا ضمير ولا انتماء.. أوراق صغيرة
يتم توقيعها ومبالغ هزيلة من المال.. وجريمة تاريخية لا تغتفر تسمى
دفن النفايات المشعة.. والنتيجة آلاف الضحايا وخراب يلحق بكل شىء
بالماء والزرع والهواء.. إنها جرائم النخبة..
على الوجه الآخر كانت هناك قصص وحكايات حول اغتصاب الأرض
وقد أفاقت الحكومة بعد أن خربت مالطة كما يقولون.. أفاقت على قرار
من الرئيس مبارك بوضع أسس جديدة للتصرف فى أراضى الدولة
على أساس حق الانتفاع.. واحتار المسئولون أمام مساحات ضخمة تم
اغتصابها.. وأمام مساحات أخرى تحولت إلى منتجعات.. أو مساحات
أكبر تم تخصيصها وبيعها.. هناك قائمة ثابتة ببعض رجال الأعمال
الذين حصلوا على مساحات رهيبة من الاراضى فى كل أرجاء مصر:
على الطريق الصحراوى وفى شرق التفريعة والعين السخنة والغردقة
وشرم الشيخ والواحات وتوشكى وطابا ومرسى علم.. الأسماء هى
نفس الأسماء والعناوين هى نفس العناوين، أفاقت حكوماتنا الرشيدة
على هذه القائمة الطويلة من أراضى مصر التى تم تخصيصها لعدد
من الأسماء وبدأت تكهنات كثيرة حول المستقبل.. هل هى مجرد
صحوة سيعود كل شىء بعدها إلى ما كان عليه.. وإذا كان الحديث عن
المستقبل فماذا عن الماضى؟..
هى أيضا جرائم النخبة التى تسللت فى غفلة من بسطاء هذا الشعب
وحصلت على كل شىء.. الأرض والمصانع وأموال البنوك.. وبقى
غالبية الناس البسطاء الذين تقدرهم بعض الأرقام بأنهم 40% من
سكان مصر تحت خط الفقر.. هؤلاء لهم جرائم مختلفة ولكن الجريمة
الأكبر أننا تركناهم جائعين فى منتجعات الخنازير والدويقة ومنشية
ناصر والبساتين ومقابر الغفير وقلعة الكبش.. ولا أحد يعلم متى نرى
صورهم فى صفحات الحوادث مع رموز النخبة