قال تعالى في سورة الفرقان: {وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ
الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا}.
وقال تعالى في سورة ق: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ
وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ}.
القصة:
كان من قصتهم: أنهم كانوا يعبدون شجرة صنوبر، يقال لها
شاهدرخت) كان يافث بن نوح غرسها على
شفير عين يقال لها (روشنا آب).
وإنما سموا أصحاب الرس لأنهم رسوا نبيهم في الأرض، وذلك بعد
سليمان عليه السلام وكانت لهم اثنتا عشرة قرية على شاطئ نهر يقال
له الرس من بلاد المشرق، وبهم سمي النهر، ولم يكن يومئذ في
الأرض نهر أغزر منه ولا أعذب منه ولا قرى أكثر ولا أعمر منها.
وذكر عليه السلام أسماءها، وكان أعظم مداينهم اسفندار وهي التي
ينزلها ملكهم، وكان يسمى تركوذ بن غابور بن يارش بن ساذن بن
نمرود بن كنعان فرعون إبراهيم عليه السلام، وبها العين الصنوبرة
وقد غرسوا في كل قرية منها حبة من طلع تلك الصنوبرة وأجروا إليها
نهرًا من العين التي عند الصنوبرة، فنبتت الحبة وصارت شجرة
عظيمة وحرموا ماء العين والأنهار، فلا يشربون منها ولا أنعامهم،
ومن فعل ذلك قتلوه، ويقولون هو حياة آلهتنا فلا ينبغي لأحد أن
ينقص من حياتنا ويشربون هم وأنعامهم من نهر الرس الذي عليه
قراهم، وقد جعلوا في كل شهر من السنة في كل قرية عيدًا يجتمع إليه
أهلها فيضربون على الشجرة التي بها كلة من حرير فيها من أنواع
الصور ثم يأتون بشاة وبقر فيذبحونها قربانًا للشجرة، ويشعلون فيها
النيران بالحطب، فإذا سطع دخان تلك الذبائح وقتارها في الهواء وحال
بينهم وبين النظر إلى السماء خرو سجدًا يبكون ويتضرعون إليها أن
ترضى عنهم.
فكان الشيطان يجيء فيحرك أغصانها ويصيح من ساقها صياح
الصبي أن قد رضيت عنكم عبادي فطيبوا نفسًا وقروا عينًا.
فيرفعون رؤوسهم عند ذلك ويشربون الخمر ويضربون
بالمعازف ويأخذون الدستبند – يعني الصنج – فيكونون على
ذلك يومهم وليلتهم ثم ينصرفون. وسميت العجم شهورها
إشتقاقًا من تلك القرى.
حتى إذا كان عيد قريتهم العظمى إجتمع إليها صغيرهم
وكبيرهم فضربوا عند الصنوبرة والعين سرادقًا من ديباج
عليه من أنواع الصور وجعلوا له اثنا عشر بابًا كل باب
لأهل قرية منهم ويسجدون للصنوبرة خارجًا من السرادق
ويقربون لها الذبائح أضعاف ما قربوا للشجرة التي في قراهم.
فيجيء إبليس عند ذلك فيحرك الصنوبرة تحريكًا شديدًا ويتكلم من
جوفها كلامًا جهوريًا ويعدهم ويمنيهم بأكثر مما وعدتهم ومنتهم
الشياطين كلها فيحركون رؤوسهم من السجود وبهم من الفرح
والنشاط ما لا يعيقون ولا يتكلمون من الشرب والعزف فيكونون
على ذلك اثنا عشر يومًا لياليها بعدد أعيادهم سائر السنة ثم ينصرفون
. فلما طال كفرهم بالله عز وجل وعبادتهم غيره، بعث الله نبيًا من
بني إسرائيل من ولد يهودا بن يعقوب، فلبث فيهم زمانًا طويلا
يدعوهم إلى عبادة الله عز وجل ومعرفة ربوبيته، فلا يتبعونه.
فلما رأى شدة تماديهم في الغي وحضر عيد قريتهم العظمى،
قال: يا رب ان عبادك أبوا إلا تكذيبي وغدوا يعبدون شجرة لا تضر
ولا تنفع، فأيبس شجرهم اجمع وأرهم قدرتك وسلطانك. فأصبح ا
لقوم وقد أيبس شجرهم كلها، فهالهم ذلك، فصاروا فرقتين،
فرقة قالت: سحر آلهتكم هذا الرجل الذي زعم أنه رسول رب
السماء والأرض إليكم ليصرف وجوهكم عن آلهتكم إلى إلهه.
وفرقة قالت: لا، بل غضبت آلهتكم حين رأت هذا الرجل يعيبها
ويدعوكم إلى عبادة غيرها فحجب حسنها وبهاؤها لكي تغضبوا
لها. فتنصروا منه وأجمع رأيهم على قتله، فاتخذوا أنابيب
طوالا ونزحوا ما فيها من الماء، ثم حفروا في قرارها بئرًا
ضيقة المدخل عميقة وأرسلوا فيها نبيهم، وألقموا فاها صخرة
عظيمة، ثم أخرجوا الأنابيب من الماء وقالوا: نرجوا الآن أن
ترضى عنا آلهتنا إذا رأت إنا قد قتلنا من يقع فيها ويصد عن
عبادتها ودفناه تحت كبيرها يتشفى منه فيعود لنا نورها
ونضرتها كما كان.
فبقوا عامة يومهم يسمعون أنين نبيهم عليه السلام وهو
يقول: سيدي قد ترى ضيق مكاني وشدة كربي، فارحم ضعف
ركني، وقلة حيلتي، وعجل بقبض روحي ولا تؤخر إجابة
دعوتي، حتى مات. فقال الله جل جلاله لجبرائيل عليه السلام:
أيظن عبادي هؤلاء الذين غرهم حلمي وأمنوا مكري وعبدوا
غيري وقتلوا رسولي أن يقوموا لغضبي أو يخرجوا من سلطاني
كيف وأنا المنتقم ممن عصاني ولم يخش عقابي، وإني
حلفت بعزتي لأجعلنهم نكالًا وعبرة للعالمين.
فلم يرعهم وهم في عيدهم ذلك إلا بريح عاصف شديد الحمرة،
فتحيروا فيها وذعروا منها وتضام بعضهم إلى بعض، ثم
صارت الأرض من تحتهم حجر كبريت يتوقد وأظلتهم سحابة
سوداء، فألقت عليهم كالقبة جمرًا يلتهب، فذابت أبدانهم كما
يذوب الرصاص بالنار. فنعوذ بالله تعالى من غضبه ونزول نقمته
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وفي كتاب (العرائس): أهل الرس كان لهم نبي يقال له
حنظلة بن صفوان وكان بأرضهم جبل يقال له فتح مصعدا في
السماء سيلا، وكانت العنقا تتشابه وهي أعظم ما يكون من
الطير وفيها من كل لون. وسموها العنقا لطول عنقها وكانت تكون
في ذلك الجبل تنقض على الطير تأكل، فجاءت ذات يوم
، فأعوزها الطير، فانقضت على صبي فذهبت به، ثم إنها انقضت
على جارية فأخذتها فضمتها إلى جناحين لها صغيرين سوى
الجناحين الكبيرين. فشكوا إلى نبيهم، فقال: اللهم خذها واقطع
نسلها فأصابتها صاعقة فاحترقت فلم ير لها أثر، فضربتها
العرب مثلا في أشعارها وحكمها وأمثالها.
ثم أن أصحاب الرس قتلوا نبيهم، فأهلكهم الله تعالى،
وبقي نهرهم ومنازلهم مائتي عام لا يسكنها أحد. ثم أتى الله
بقرن بعد ذلك فنزلوها، وكانوا صالحين سنين، ثم أحدثوا
فاحشة جعل الرجل يدعوا ابنته وأخته وزوجته فيعطيها جاره
وأخاه وصديقه يلتمس بذلك البر والصلة. ثم ارتفعوا من ذلك
إلى نوع أخزى، ترك الرجال للنساء حتى شبقن واستغنوا
بالرجال، فجاءت شيطانتهن في صورة امرأة وهي الدلهات
كانتا في بيضة واحدة فشهت إلى النساء ركوب بعضهن
بعضًا وعلمتهن كيف يضعن، فأصل ركوب النساء بعضهن
بعضًا من الدلهات.
فسلط الله على ذلك القرن صاعقة في أول الليل وخسفًا في
آخر الليل وخسفًا مع الشمس، فلم يبق منهم باقية وبادت
مساكنهم، وأحسبها اليوم لا تسكن.
الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا}.
وقال تعالى في سورة ق: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ
وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ}.
القصة:
كان من قصتهم: أنهم كانوا يعبدون شجرة صنوبر، يقال لها
شاهدرخت) كان يافث بن نوح غرسها على
شفير عين يقال لها (روشنا آب).
وإنما سموا أصحاب الرس لأنهم رسوا نبيهم في الأرض، وذلك بعد
سليمان عليه السلام وكانت لهم اثنتا عشرة قرية على شاطئ نهر يقال
له الرس من بلاد المشرق، وبهم سمي النهر، ولم يكن يومئذ في
الأرض نهر أغزر منه ولا أعذب منه ولا قرى أكثر ولا أعمر منها.
وذكر عليه السلام أسماءها، وكان أعظم مداينهم اسفندار وهي التي
ينزلها ملكهم، وكان يسمى تركوذ بن غابور بن يارش بن ساذن بن
نمرود بن كنعان فرعون إبراهيم عليه السلام، وبها العين الصنوبرة
وقد غرسوا في كل قرية منها حبة من طلع تلك الصنوبرة وأجروا إليها
نهرًا من العين التي عند الصنوبرة، فنبتت الحبة وصارت شجرة
عظيمة وحرموا ماء العين والأنهار، فلا يشربون منها ولا أنعامهم،
ومن فعل ذلك قتلوه، ويقولون هو حياة آلهتنا فلا ينبغي لأحد أن
ينقص من حياتنا ويشربون هم وأنعامهم من نهر الرس الذي عليه
قراهم، وقد جعلوا في كل شهر من السنة في كل قرية عيدًا يجتمع إليه
أهلها فيضربون على الشجرة التي بها كلة من حرير فيها من أنواع
الصور ثم يأتون بشاة وبقر فيذبحونها قربانًا للشجرة، ويشعلون فيها
النيران بالحطب، فإذا سطع دخان تلك الذبائح وقتارها في الهواء وحال
بينهم وبين النظر إلى السماء خرو سجدًا يبكون ويتضرعون إليها أن
ترضى عنهم.
فكان الشيطان يجيء فيحرك أغصانها ويصيح من ساقها صياح
الصبي أن قد رضيت عنكم عبادي فطيبوا نفسًا وقروا عينًا.
فيرفعون رؤوسهم عند ذلك ويشربون الخمر ويضربون
بالمعازف ويأخذون الدستبند – يعني الصنج – فيكونون على
ذلك يومهم وليلتهم ثم ينصرفون. وسميت العجم شهورها
إشتقاقًا من تلك القرى.
حتى إذا كان عيد قريتهم العظمى إجتمع إليها صغيرهم
وكبيرهم فضربوا عند الصنوبرة والعين سرادقًا من ديباج
عليه من أنواع الصور وجعلوا له اثنا عشر بابًا كل باب
لأهل قرية منهم ويسجدون للصنوبرة خارجًا من السرادق
ويقربون لها الذبائح أضعاف ما قربوا للشجرة التي في قراهم.
فيجيء إبليس عند ذلك فيحرك الصنوبرة تحريكًا شديدًا ويتكلم من
جوفها كلامًا جهوريًا ويعدهم ويمنيهم بأكثر مما وعدتهم ومنتهم
الشياطين كلها فيحركون رؤوسهم من السجود وبهم من الفرح
والنشاط ما لا يعيقون ولا يتكلمون من الشرب والعزف فيكونون
على ذلك اثنا عشر يومًا لياليها بعدد أعيادهم سائر السنة ثم ينصرفون
. فلما طال كفرهم بالله عز وجل وعبادتهم غيره، بعث الله نبيًا من
بني إسرائيل من ولد يهودا بن يعقوب، فلبث فيهم زمانًا طويلا
يدعوهم إلى عبادة الله عز وجل ومعرفة ربوبيته، فلا يتبعونه.
فلما رأى شدة تماديهم في الغي وحضر عيد قريتهم العظمى،
قال: يا رب ان عبادك أبوا إلا تكذيبي وغدوا يعبدون شجرة لا تضر
ولا تنفع، فأيبس شجرهم اجمع وأرهم قدرتك وسلطانك. فأصبح ا
لقوم وقد أيبس شجرهم كلها، فهالهم ذلك، فصاروا فرقتين،
فرقة قالت: سحر آلهتكم هذا الرجل الذي زعم أنه رسول رب
السماء والأرض إليكم ليصرف وجوهكم عن آلهتكم إلى إلهه.
وفرقة قالت: لا، بل غضبت آلهتكم حين رأت هذا الرجل يعيبها
ويدعوكم إلى عبادة غيرها فحجب حسنها وبهاؤها لكي تغضبوا
لها. فتنصروا منه وأجمع رأيهم على قتله، فاتخذوا أنابيب
طوالا ونزحوا ما فيها من الماء، ثم حفروا في قرارها بئرًا
ضيقة المدخل عميقة وأرسلوا فيها نبيهم، وألقموا فاها صخرة
عظيمة، ثم أخرجوا الأنابيب من الماء وقالوا: نرجوا الآن أن
ترضى عنا آلهتنا إذا رأت إنا قد قتلنا من يقع فيها ويصد عن
عبادتها ودفناه تحت كبيرها يتشفى منه فيعود لنا نورها
ونضرتها كما كان.
فبقوا عامة يومهم يسمعون أنين نبيهم عليه السلام وهو
يقول: سيدي قد ترى ضيق مكاني وشدة كربي، فارحم ضعف
ركني، وقلة حيلتي، وعجل بقبض روحي ولا تؤخر إجابة
دعوتي، حتى مات. فقال الله جل جلاله لجبرائيل عليه السلام:
أيظن عبادي هؤلاء الذين غرهم حلمي وأمنوا مكري وعبدوا
غيري وقتلوا رسولي أن يقوموا لغضبي أو يخرجوا من سلطاني
كيف وأنا المنتقم ممن عصاني ولم يخش عقابي، وإني
حلفت بعزتي لأجعلنهم نكالًا وعبرة للعالمين.
فلم يرعهم وهم في عيدهم ذلك إلا بريح عاصف شديد الحمرة،
فتحيروا فيها وذعروا منها وتضام بعضهم إلى بعض، ثم
صارت الأرض من تحتهم حجر كبريت يتوقد وأظلتهم سحابة
سوداء، فألقت عليهم كالقبة جمرًا يلتهب، فذابت أبدانهم كما
يذوب الرصاص بالنار. فنعوذ بالله تعالى من غضبه ونزول نقمته
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وفي كتاب (العرائس): أهل الرس كان لهم نبي يقال له
حنظلة بن صفوان وكان بأرضهم جبل يقال له فتح مصعدا في
السماء سيلا، وكانت العنقا تتشابه وهي أعظم ما يكون من
الطير وفيها من كل لون. وسموها العنقا لطول عنقها وكانت تكون
في ذلك الجبل تنقض على الطير تأكل، فجاءت ذات يوم
، فأعوزها الطير، فانقضت على صبي فذهبت به، ثم إنها انقضت
على جارية فأخذتها فضمتها إلى جناحين لها صغيرين سوى
الجناحين الكبيرين. فشكوا إلى نبيهم، فقال: اللهم خذها واقطع
نسلها فأصابتها صاعقة فاحترقت فلم ير لها أثر، فضربتها
العرب مثلا في أشعارها وحكمها وأمثالها.
ثم أن أصحاب الرس قتلوا نبيهم، فأهلكهم الله تعالى،
وبقي نهرهم ومنازلهم مائتي عام لا يسكنها أحد. ثم أتى الله
بقرن بعد ذلك فنزلوها، وكانوا صالحين سنين، ثم أحدثوا
فاحشة جعل الرجل يدعوا ابنته وأخته وزوجته فيعطيها جاره
وأخاه وصديقه يلتمس بذلك البر والصلة. ثم ارتفعوا من ذلك
إلى نوع أخزى، ترك الرجال للنساء حتى شبقن واستغنوا
بالرجال، فجاءت شيطانتهن في صورة امرأة وهي الدلهات
كانتا في بيضة واحدة فشهت إلى النساء ركوب بعضهن
بعضًا وعلمتهن كيف يضعن، فأصل ركوب النساء بعضهن
بعضًا من الدلهات.
فسلط الله على ذلك القرن صاعقة في أول الليل وخسفًا في
آخر الليل وخسفًا مع الشمس، فلم يبق منهم باقية وبادت
مساكنهم، وأحسبها اليوم لا تسكن.