انتهى سامح طالب
الماجستير من محاضرة علم النفس التربوى ، وتبقّتْ ساعةٌ على المحاضرة التى
تليها ، فنزل إلى كافتيريا الكلية ؛ ليحتسى الشاى ....
وهام فى دنيا الأشجار بخُضرتها الجميلة ، وشرد مع ورورد البنفسج رائعة المنظر ، وما إنْ جلس حتى جلستْ بجواره فتاةٌ ، وقد سحبتْ زميلتها الكفيفة ،
وأجلستْها بجوارها ، وأخذت الفتاتان تتكلمان عن صعوبة علم النفس التربوى ؛
فجذبه الحوار ، واستنتج بعض الحزن فى كلام الفتاة الكفيفة ؛ لإحساسها
بالغربة ، بسبب دراستها فى جامعة الإسكندرية البعيدة عن والديها بالقاهرة
، فتدخّل فى حوارهما مدافعاً عن علم النفس ، وفائدته فى معاملة الطلاب ....
وهنا قالتْ الفتاة المبصرة ؛ بأنّ وقت المحاضرة قد حان ، وعليهما الذهاب فوراً ، ولكنّ الفتاة الكفيفة قالتْ بأنها تشعرُ بصداعٍ ، ولن تحضرَ تلك المحاضرة ، وإنها ستنتظرها هنا فى الكافتيريا ، فانصرفتْ صديقتها ، وجلس سامح مع الفتاة الكفيفة ، وعرف بأن اسمها ( أسماء ) وأنها بالصف النهائى بالجامعة ، وأخذهما الحوار العلمى ، وتأخرتْ زميلتها ، وزاد الصداعُ ، وأمسكتْ برأسها متألمة ، فأشفق سامح لحالها ، وعرض عليها أن يوصلها لبيت الطالبات القريب من الجامعة ، فوافقتْ على حياءٍ ....
وخرجا سوياً ، وأسندتْ يدها على ذراعه ، واتّجها محاذيين لساحل البحر الأبيض المتوسط ، فحانتْ منها ابتسامةٌ رقيقةٌ ، فبادرها : أظنكِ تحبين شاطئ البحر؟
فردت : وأنتَ ؟
فقال بشجنٍ : عند الغروب فقط !!
فابتسمتْ قائلةً : إذاً أنتَ رومانسى !!
وسكت قصيراً
يتأمَّل فى وجهها الأبيض الصافى ، فأدهشه رقتها وخجلها الشديد ، وقد
اقتربتْ منها طفلةٌ صغيرةٌ تلعب أمام الشاطئ ، فمدَّتْ يداها تداعب شعر
الطفلة ، فى حنانٍ رائعٍ كأنما هى أمها التى أنجبتها ، ثم أكملا المسير ،
وأخذهما الحوار ؛ حتى وصلا لبيت الطالبات ، فودَّعها وقد عرض عليها أن
ينتظرها فى الكلية ؛ ليشرح لها بعض الدروس الصعبة ...
وتقابلا فى
الكلية ، وأخذ يشرحُ لها ما صعب عليها ، وقد ارتاحتْ كثيراً لصوته الشجى
الحنون ، وخرج سوياً للبحر ، وسألها عن سر حُزنها ، فقالتْ بأنها حزينة
لبعدها عن أمها ؛ حيث تشكو لأمها كل ما فى داخلها ، ثم فاجأتْه : طبعاً أنتَ تتعجب من أنّ كل ملابسى سوداء اللون !!
ولكننى بصراحةٍ أعتبر اللون الأسود
هو ملك الألوان ، فعندما كانتْ الدنيا ظلاماً أمام عينى ، وكنتُ أكره
اللون الأسود ، لكن معلمتى أقنعتنى بأن اللون الأسود ليس سيئاً ؛ لأنه
سيكون زى التخرج من الجامعة ، فأحببتُ ذلك اللون من بعدها ...
وتوالتْ اللقاءاتُ بينهما ، وأصبح صوته هو نور عينيها الذى بعثه الله لها ، وأما سامح
فأصبح مشدوداً لرقتها وخجلها الشديد ، وتسامحها الرائع مع الأيام ، ومع
الابتلاء الذى امتزج بإيمانٍ جميلٍ ، ورضاً بقضاء الله وبقدره ، ومازال
يفكر فيها كل لحظةٍ ، واتصل على محمولها ؛ ليقول كلمةً واحدة تختصر كل
مايشعر به :أحبكِ يا أسماء
فردتْ : ستعرف ردى عندما تحضر
ولما حضر سامح
كان ردها رقيقاً مثلها ، إذ أعطته وردةً حمراء ، عبّرتْ عن حبها ، وخجلها
الجميل ، وسارا كالمعتاد إلى شاطئ البحر يتساقيان الغرام ، ويتناجيان
العشق الجميل..
وفاتح أمه فى الزواج منها ، لكنّ أمه أشفقتْ عليه قائلةً : يا ولدى أنتَ رجلٌ ، ولكَ احتياجاتٌ كثيرةٌ ، ولن تسعد فى الزواج من عمياء تريد من يخدمها ...
لكنه أصرّ على الارتباط بمن أحبها قلبه ... وهامتْ بها روحه..
ونجحتْ أسماء ، وحصلتْ على شهادة التخرج ، وذهبتْ لمدينتها ، وظلتْ تحلم باتصال حبيبها ، ولكنها كانت على موعدٍ مع العذاب ، حيث اتصلتْ أمه بها مستعطفة ومتوسلة قائلة :
معذرة ابنتى
ليس عندى ابنٌ غيره
ليُسعدكِ الله مع زوجٍ آخر
أرجو وعدكِ بأن تبتعدى عنه
فقررتْ أسماء التضحية بمن أحبتْ ، وأغلقتْ محمولها نهائياً ، وضل سامح الطريق بحثاً عنها ، ولم يجدها حيث ذهبتْ للأبد ، ولن تعود ....